فِي سَلْبِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ، بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ فَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُ الْخَلَلِ فَلَا تُفِيدُ الْوِلَايَةُ إلَّا مُلْزِمَةً وَمَعَ الْقُصُورِ لَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ. وَجْهُ قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الثِّيَابَةَ سَبَبٌ لِحُدُوثِ الرَّأْيِ لِوُجُودِ الْمُمَارَسَةِ فَأَدَرْنَا الْحُكْمَ عَلَيْهَا تَيْسِيرًا. وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ وَوُفُورِ الشَّفَقَةِ، وَلَا مُمَارَسَةَ تُحْدِثُ الرَّأْيَ بِدُونِ
﴿فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ﴾ الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي يَتِيمَةٍ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا وَلَا يُرْغَبُ فِي نِكَاحِهَا لِدَمَامَتِهَا وَلَا يُزَوِّجُهَا مِنْ غَيْرِهِ كَيْ لَا يُشَارِكَهُ فِي مَالِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَهَذِهِ الْآيَةُ أَمْرٌ بِتَزْوِيجِهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ أَوْ تَزَوُّجِهِنَّ مَعَ الْإِقْسَاطِ.
«وَزَوَّجَ ﷺ بِنْتَ عَمِّهِ حَمْزَةَ ﵁ مِنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَهِيَ صَغِيرَةٌ»، وَإِنَّمَا زَوَّجَهَا بِالْعُصُوبَةِ لَا بِوِلَايَةٍ ثَبَتَتْ بِالنُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ ﷺ لَمْ يُزَوِّجْ بِهَا قَطُّ، وَلَوْ فَعَلَ لَمْ يَتَزَوَّجْ أَحَدٌ إلَّا عَنْهُ، لَكِنْ كَانُوا يَتَزَوَّجُونَ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ وَحُضُورِهِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُ ﷺ سَأَلَهُ عَنْ تَزَوُّجِهِ فَذَكَرَ أَنَّهَا ثَيِّبٌ، فَقَالَ: هَلَّا بِكْرًا» الْحَدِيثَ. «وَرَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الصُّفْرَةَ فَقَالَ مَهْيَمْ؟ قَالَ تَزَوَّجْتُ، وَسَأَلَهُ كَمْ سَاقَ لَهَا».
وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ وَجَوَازِهِ شَهِيرَةٌ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْكُفْءِ ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّ مَقَاصِدَ النِّكَاحِ إنَّمَا تَتِمُّ مَعَهُ، وَإِنَّمَا يَظْفَرُ بِهِ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَالْوِلَايَةُ لِعِلَّةِ الْحَاجَةِ فَيَجِبُ إثْبَاتُهَا إحْرَازًا لِهَذِهِ
الْمَصْلَحَةِ
مَعَ أَنَّ أَصْلَ الْقَرَابَةِ دَاعِيَةٌ إلَى الشَّفَقَةِ، غَيْرَ أَنَّ فِي هَذِهِ الْقَرَابَةِ قُصُورًا أَظْهَرْنَاهُ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهَا إذَا بَلَغَتْ، وَإِذَا قَامَ دَلِيلُ الْجَوَازِ وَجَبَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِالْيَتِيمَةِ فِي الْحَدِيثِ الْيَتِيمَةَ الْبَالِغَةَ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ ﷺ غَيَّا الْمَنْعَ بِالِاسْتِئْمَارِ «وَإِنَّمَا تُسْتَأْمَرُ الْبَالِغَةُ» وَحَدِيثُ قُدَامَةَ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ خَيَّرَهَا ﷺ فَاخْتَارَتْ الْفَسْخَ، أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ اُنْتُزِعَتْ مِنِّي بَعْدَ أَنْ مَلَكْتهَا. وَأَمَّا الْمَالُ فَإِنَّهُ يُعَارِضُ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ الشَّفَقَةِ كَوْنُهُ مَحْبُوبَ الطَّبْعِ حُبًّا يُفْضِي إلَى الْقَطِيعَةِ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ فِي قَرَابَةِ الْعَصَبَاتِ بِالْخِيَانَةِ فِيهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ بِالْمُحَابَاةِ وَيَخْفَى لِتَعَذُّرِ إحْضَارِهِ بِتَدَاوُلِ الْأَيْدِي عَلَيْهِ أَوْ لِحُمُولَتِهِ أَوْ نِسْيَانِهِ أَوْ الْتَوَى فِي الْعِوَضِ فِي الْمُقَايَضَةِ فَلَا تُفِيدُ الْوِلَايَةُ غَيْرُ الْمُلْزِمَةِ فَائِدَةَ عَدَمِ اللُّزُومِ وَهُوَ التَّدَارُكُ فَانْتَفَتْ وَالْمُلْزِمَةُ مُنْتَفِيَةٌ لِقُصُورِ الشَّفَقَةِ فَتَعَذَّرَ إثْبَاتُ الْوِلَايَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَرَابَةَ مَعَ قُصُورِ الشَّفَقَةِ مُقْتَضَاهَا وِلَايَةٌ غَيْرُ مُلْزِمَةٍ وَقَدْ تَعَذَّرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute