الشَّهْوَةِ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى الصِّغَرِ، ثُمَّ الَّذِي يُؤَيِّدُ كَلَامَنَا فِيمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ ﷺ «النِّكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» وَالتَّرْتِيبُ فِي الْعَصَبَاتِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ كَالتَّرْتِيبِ فِي الْإِرْثِ وَالْأَبْعَدُ مَحْجُوبٌ بِالْأَقْرَبِ.
قَالَ (فَإِنْ) (زَوَّجَهُمَا الْأَبُ وَالْجَدُّ) يَعْنِي الصَّغِيرَ وَالصَّغِيرَةَ (فَلَا خِيَارَ لَهُمَا بَعْدَ بُلُوغِهِمَا) لِأَنَّهُمَا كَامِلَا الرَّأْي وَافِرَا الشَّفَقَةِ فَيَلْزَمُ الْعَقْدُ بِمُبَاشَرَتِهَا كَمَا إذَا بَاشَرَاهُ بِرِضَاهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ (وَإِنْ زَوَّجَهُمَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مُقْتَضَاهَا فِي الْمَالِ فَانْتَفَتْ فِيهِ وَأَمْكَنَ فِي النَّفْسِ فَثَبَتَتْ فِيهَا، وَهَذَا لِمَا أَثْبَتْنَا فِيهِ مِنْ الْخِيَارِ عِنْدَ الْبُلُوغِ وَالرَّدِّ مِنْ الْقَاضِي عِنْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى عَدَمِ النَّظَرِ مِنْ تَنْقِيصِ مَهْرٍ أَوْ عَدَمِ كَفَاءَةٍ.
وَجْهُ قَوْلِهِ فِي الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ أَنَّهَا لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ لِحُدُوثِ الرَّأْيِ فِي أَمْرِ النِّكَاحِ لِمُمَارَسَتِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﷺ «الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ» أَفَادَ مَنْعَ النِّكَاحِ قَبْلَ الْمُشَاوَرَةِ وَلَا مُشَاوَرَةَ حَالَةَ الصِّغَرِ فَلَا نِكَاحَ حَالَةَ الصِّغَرِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى إحْرَازِ الْكُفْءِ، وَالْوِلَايَةُ عَلَيْهَا فِي النِّكَاحِ مَعَ عَدَمِ الشَّهْوَةِ لَيْسَ إلَّا لِتَحْصِيلِهِ، وَلَا رَأْيَ حَالَةَ الصِّغَرِ بِاعْتِرَافِهِ حَيْثُ مَنَعَ الْمُشَاوَرَةَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْمُشَاوَرَةِ حَتَّى أَخَّرَ جَوَازَ نِكَاحِهَا إلَى الْبُلُوغِ، فَكَانَ حَاصِلُ هَذَا الْكَلَام تَنَاقُضًا، فَإِنَّ سَلْبَ الْوِلَايَةِ بِعِلَّةِ حُدُوثِ الرَّأْيِ تَصْرِيحٌ بِحُدُوثِ الرَّأْيِ، وَتَأْخِيرُ نِكَاحِهَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْمُشَاوَرَةِ يُنَاقِضُهُ، فَلَزِمَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِالثَّيِّبِ فِي الْحَدِيثِ الْبَالِغَةَ حَيْثُ عَلَّقَ بِالثُّيُوبَةِ مَا لَا يُعْتَبَرُ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَإِذَا لَمْ يَحْدُثْ الرَّأْيُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَالْحَاجَةُ مُتَحَقِّقَةٌ قَبْلَهُ ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَمَدَارُ الْوِلَايَةِ الصِّغَرُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (ثُمَّ الَّذِي يُؤَيِّدُ كَلَامَنَا فِيمَا تَقَدَّمَ) يَعْنِي مِنْ جَوَازِ نِكَاحِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ إذَا زَوَّجَهُمَا الْوَلِيُّ الْعَصَبَةُ مُطْلَقًا بَعْدَ مَا كُفِينَا مَئُونَةَ إثْبَاتِهِ بِمَا تَقَدَّمَ.
(قَوْلُهُ ﷺ «النِّكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ») بَيْنَ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعَصَبَاتِ فِي صُورَةِ الصِّغَرِ أَوَّلًا. رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا وَذَكَرَهُ سَبْطُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِلَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَتَقَدَّمَ «تَزْوِيجُهُ ﷺ أُمَامَةَ بِنْتَ عَمِّهِ حَمْزَةَ وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَقَالَ لَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ». هَذَا (وَالتَّرْتِيبُ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ كَالتَّرْتِيبِ فِي الْإِرْثِ وَالْأَبْعَدُ مَحْجُوبٌ بِالْأَقْرَبِ) فَتُقَدَّمُ عَصَبَةُ النَّسَبِ. وَأَوْلَاهُمْ الِابْنُ وَابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي الْمَعْتُوهَةِ وَهَذَا قَوْلُهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّ الْأَبَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِابْنِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ، وَهَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْأُمِّ الْمَعْتُوهَةِ إذَا أَفَاقَتْ وَقَدْ زَوَّجَهَا الِابْنُ؟ فِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ زَوَّجَهَا الِابْنُ فَهُوَ كَالْأَبِ بَلْ أَوْلَى، ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ أَبُوهُ ثُمَّ الْأَخُ الشَّقِيقُ ثُمَّ لِأَبٍ. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الْأَخَ وَالْجَدَّ يَشْتَرِكَانِ فِي الْوِلَايَةِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُقَدَّمُ الْجَدُّ كَمَا هُوَ الْخِلَافُ فِي الْمِيرَاثِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَدَّ أَوْلَى بِالتَّزْوِيجِ اتِّفَاقًا، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ الشَّقِيقِ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ ثُمَّ الْعَمُّ الشَّقِيقُ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ الشَّقِيقِ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبٍ ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ، كَذَلِكَ الشَّقِيقُ ثُمَّ أَبْنَاؤُهُ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ أَبْنَاؤُهُ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ الشَّقِيقِ ثُمَّ أَبْنَاؤُهُ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ لِأَبٍ ثُمَّ أَبْنَاؤُهُ وَإِنْ سَفَلُوا، كُلُّ هَؤُلَاءِ يَثْبُتُ لَهُمْ وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ عَلَى الْبِنْتِ وَالذَّكَرِ فِي حَالِ صِغَرِهِمَا وَحَالِ كِبَرِهِمَا إذَا جُنَّا. مَثَلًا غُلَامٌ بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ فَزَوَّجَهُ أَبُوهُ وَهُوَ رَجُلٌ جَازَ إذَا كَانَ جُنُونُهُ مُطْبِقًا، وَلَمْ يُقَدِّرْ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ قَدْرًا عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، فَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute