للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِذَا غَابَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً جَازَ لِمَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ أَنْ يُزَوِّجَ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ

رَجُلًا فِي حَيَاتِهِ لِلتَّزْوِيجِ فَيُزَوِّجُهَا الْوَصِيُّ بِهِ كَمَا لَوْ وَكَّلَ فِي حَيَاتِهِ بِتَزْوِيجِهَا، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ انْتَظَرَ بُلُوغَهَا لِتَأْذَنَ كَذَا قِيلَ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ يُزَوِّجُهَا إلَّا إذَا كَانَ الْوَصِيُّ قَرِيبًا فَيُزَوِّجُهَا بِحُكْمِ الْقَرَابَةِ لَا الْوِصَايَةِ وَإِلَّا فَالْحَاكِمُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي أُخْرَى لَهُ التَّزْوِيجُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَبِ. قُلْنَا: إنَّمَا قَامَ مَقَامَهُ فِي الْمَالِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ أَوْصَى إلَيْهِ فِي التَّزْوِيجِ جَازَ وَهُوَ رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.

الثَّانِي لَوْ زَوَّجَ الْقَاضِي الصَّغِيرَةَ الَّتِي هُوَ وَلِيُّهَا وَهِيَ الْيَتِيمَةُ مِنْ ابْنِهِ لَا يَجُوزُ. كَالْوَكِيلِ مُطْلَقًا إذَا زَوَّجَ مُوَكِّلَتَهُ مِنْ ابْنِهِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْقَاضِي حُكْمٌ مِنْهُ وَحُكْمُهُ لِابْنِهِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ، ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ مُعَلِّمَا لَهُ بِعَلَامَةِ غَرِيبِ الرِّوَايَةِ لِلسَّيِّدِ الْإِمَامِ أَبِي شُجَاعٍ، وَالْإِلْحَاقُ بِالْوَكِيلِ يَكْفِي لِلْحُكْمِ مُسْتَغْنًى عَنْ جَعْلِ فِعْلِهِ حُكْمًا مَعَ انْتِفَاءِ شَرْطِهِ، وَكَذَا إذَا بَاعَ مَالَ يَتِيمِهِ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ، وَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَصَّبَ وَصِيًّا عَلَى الْيَتِيمِ ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ لَا الْقَاضِي.

الثَّالِثُ إقْرَارُ الْوَلِيِّ عَلَى الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ بِالتَّزْوِيجِ لَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ يُدْرِكُ الصَّغِيرَ فَيُصَدِّقُهُ، مَعْنَاهُ إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي وَصَدَّقَهُ الْأَبُ، وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِإِقْرَارِهِ. قَالَ فِي الْمُصَفَّى عَنْ أُسْتَاذِهِ يَعْنِي الشَّيْخَ حُمَيْدٍ الدِّينِ: إنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا أَقَرَّ الْوَلِيُّ فِي صِغَرِهِمَا فَإِنَّ إقْرَارَهُ مَوْقُوفٌ إلَى بُلُوغِهِمَا، فَإِذَا بَلَغَا وَصَدَّقَاهُ يَنْفُذُ إقْرَارُهُ وَإِلَّا يَبْطُلُ، وَعِنْدَهُمَا يَنْفُذُ فِي الْحَالِ وَقَالَ: إنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ، قَالَ: هُوَ الصَّحِيحُ. وَقِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ وَأَنْكَرَ النِّكَاحَ فَأَقَرَّ الْوَلِيُّ، أَمَّا لَوْ أَقَرَّ بِالنِّكَاحِ فِي صِغَرِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ، كَذَا فِي الْمُغْنِي. وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: إذَا أَقَرَّ الْأَبُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ عَلَى قَوْلِهِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الزَّوْجُ فِي ذَلِكَ أَوْ الْمَرْأَةُ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا يُصَدَّقُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ، فَإِنْ قِيلَ: عَلَى مَنْ تُقَامُ الْبَيِّنَةُ وَلَا تُقْبَلُ إلَّا عَلَى مُنْكِرٍ يُعْتَبَرُ إنْكَارُهُ وَالْمُنْكِرُ هُوَ الصَّبِيُّ، وَلَا عِبْرَةَ بِإِنْكَارِهِ وَالْأَبُ وَالزَّوْجُ أَوْ الْمَرْأَةُ مُقِرَّانِ؟ قُلْنَا: يُنَصِّبُ الْقَاضِي خَصْمًا عَنْ الصَّغِيرِ أَوْ الصَّغِيرَةِ حَتَّى يُنْكِرَ فَيُقِيمَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ فَيَثْبُتُ النِّكَاحُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ اهـ كُلُّهُ مِنْ الْمُصَفَّى.

وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا بَلَغَا فَأَنْكَرَ النِّكَاحَ، أَمَّا إذَا أَقَرَّ عَلَيْهِمَا فِي صِغَرِهِمَا يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ أَوْجَهُ.

وَإِقْرَارُ وَكِيلِ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ بِتَزْوِيجِهِمَا وَإِقْرَارُ مَوْلَى الْعَبْدِ بِتَزْوِيجِهِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، فَأَمَّا إقْرَارُهُ بِنِكَاحِ أَمَتِهِ فَنَافِذٌ اتِّفَاقًا.

الرَّابِعُ فِي النَّوَازِلِ: امْرَأَةٌ جَاءَتْ إلَى قَاضٍ فَقَالَتْ أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ وَلَا وَلِيَّ لِي، فَلِلْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي النِّكَاحِ كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ لَهَا وَلِيًّا. وَبِمِثْلِهِ أَجَابَ أَبُو الْحَسَنِ السُّغْدِيُّ، وَمَا نَقَلَ فِيهِ مِنْ إقَامَتِهَا الْبَيِّنَةَ فَخِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَمَا نَقَلَ مِنْ قَوْلِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُولُ لَهَا الْقَاضِي إنْ لَمْ تَكُونِي قُرَشِيَّةً وَلَا عَرَبِيَّةً وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ فَقَدْ أَذِنْت لَك، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مَحْمُولَانِ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ الْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ، وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ فَمَعْلُومٌ.

الِاشْتِرَاطِ الْخَامِسُ لَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ وَلَا الْأَبُ تَزْوِيجَ عَبْدِ الصَّغِيرِ، وَكَذَا تَزْوِيجُ عَبْدِهِ مِنْ أَمَتِهِ، كَذَا فِي الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَيَمْلِكَانِ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ

(قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ: إذْ غَابَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً لَا يُزَوِّجُهَا أَحَدٌ حَتَّى تَبْلُغَ) بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ عَلَى وِلَايَتِهِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ ثَبَتَتْ حَقًّا لَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي دَلِيلِ مُحَمَّدٍ وَقَدَّمْنَا جَوَابَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُزَوِّجُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>