جَازَ) لِأَنَّهُ آخِرُ الْعَصَبَاتِ، وَإِذَا عُدِمَ الْأَوْلِيَاءُ فَالْوِلَايَةُ إلَى الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ لِقَوْلِهِ ﷺ «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ»
الْمَثَابَةِ فَإِنَّا نَرَى شَفَقَةَ الْإِنْسَانِ عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهِ كَشَفَقَتِهِ عَلَى ابْنَةِ أَخِيهِ، بَلْ قَدْ تَتَرَجَّحُ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ شَفَقَةَ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَيْسَتْ كَشَفَقَةِ السُّلْطَانِ وَلَا مَنْ وَلَّاهُ فَكَانُوا أَوْلَى مِنْهُمْ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمَا إنَّمَا ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ صَوْنًا لِلْقَرَابَةِ عَنْ نِسْبَةِ غَيْرِ الْكُفْءِ إلَيْهَا فَالْحَصْرُ مَمْنُوعٌ، بَلْ ثُبُوتُهَا بِالذَّاتِ تَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ الصَّغِيرَةِ بِتَحْصِيلِ الْكُفْءِ؛ لِأَنَّهَا بِالذَّاتِ لِحَاجَتِهَا لَا لِحَاجَتِهِمْ، وَكُلٌّ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فِيهِ دَاعِيَةُ تَحْصِيلِ حَاجَتِهَا فَثَبَتَتْ لَهُ الْوِلَايَةُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِنْ ثَبَتَتْ لِغَيْرِهِ مِنْ الْعَصَبَاتِ بِكُلٍّ مِنْ حَاجَتِهَا بِالذَّاتِ إلَى ذَلِكَ وَحَاجَتِهِ وَسَتَزْدَادُ وُضُوحًا فِي مَسْأَلَةِ الْغَيْبَةِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إجَازَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ تَزْوِيجَ امْرَأَتِهِ بِنْتَهَا وَكَانَتْ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَمَّا إثْبَاتُ جِنْسِ وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ إلَى الْعَصَبَاتِ فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّمَا هُوَ حَالَ وُجُودِهِمْ، وَلَا تُعْرَضُ لَهُ حَالَ عَدَمِهِمْ بِنَفْيِ الْوِلَايَةِ عَنْ غَيْرِهِمْ وَلَا إثْبَاتِهَا فَأَثْبَتْنَاهَا بِالْمَعْنَى وَقِصَّةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَيْضًا لَا شَكَّ أَنَّهُ خُصَّ مِنْهُ السُّلْطَانُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَصَبَاتِ لِقَوْلِهِ «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» أَوْ بِالْإِجْمَاعِ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَعْنَى.
وَهَذَا الْوَجْهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ تَعَرُّضِ الْحَدِيثِ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ بِالنَّفْيِ وَحُجِّيَّتِهِ، وَقَوْلُهُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ قِيَاسٌ وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانٌ مَعَ اسْتِدْلَالِهِ بِالْحَدِيثِ لِمُحَمَّدٍ، وَبِالْمَعْنَى الصِّرْفِ لِأَبِي حَنِيفَةَ يُنَاقَشُ فِيهِ: بِأَنَّ الِاسْتِحْسَانَ هُوَ الَّذِي يَكُونُ بِالْأَثَرِ لَا الْقِيَاسِ فَإِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ نَصٌّ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَلَى بَابِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ الْحُكْمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قِيَاسٌ يُقَابِلُهُ الِاسْتِحْسَانُ الَّذِي قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا ظَنَّهُ خِلَافَهُ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ فَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنْ لَا مُتَمَسِّكَ لَهُ بِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُجِيبَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. وَحَاصِلُ بَحْثِهِ مُعَارَضَةٌ مُجَرَّدَةٌ وَهِيَ لَا تُفِيدُ ثُبُوتَ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ التَّرْجِيحِ وَقَالُوا: الْعَصَبَاتُ تَتَنَاوَلُ الْأُمَّ؛ لِأَنَّهَا عَصَبَةٌ فِي وَلَدِ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فَتَثْبُتُ لِأَهْلِهَا، إلَّا أَنَّ أَقَارِبَ الْأَبِ مُقَدَّمُونَ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا عُدِمَ الْأَوْلِيَاءُ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْعَصَبَاتِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ (فَالْوِلَايَةُ إلَى الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ) أَيْ الْقَاضِي بِشَرْطِ أَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ فِي مَنْشُورِهِ، فَلَوْ زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ مَعَ عَدَمِ كَتْبِ ذَلِكَ فِي مَنْشُورِهِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِيهِ فَأَجَازَهُ قِيلَ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ اسْتِحْسَانًا.
[فُرُوعٌ] الْأَوَّلُ لَيْسَ لِوَلِيِّ الصَّغِيرَةِ وِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا وَإِنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْأَبُ بِالنِّكَاحِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُوصِي عَيَّنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute