وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ فَلَا تُبْتَنَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الدُّنْيَا إلَّا إذَا كَانَ يُصْفَعُ وَيُسْخَرُ مِنْهُ أَوْ يَخْرُجُ إلَى الْأَسْوَاقِ سَكْرَانَ وَيَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَخَفٌّ بِهِ.
قَالَ (وَ) تُعْتَبَرُ (فِي الْمَالِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ) وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، حَتَّى إنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُهُمَا أَوْ لَا يَمْلِكُ أَحَدَهُمَا لَا يَكُونُ كُفْئًا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ بَدَلُ الْبُضْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ إيفَائِهِ وَبِالنَّفَقَةِ قِوَامُ الِازْدِوَاجِ وَدَوَامُهُ.
وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ قَدْرُ مَا تَعَارَفُوا تَعْجِيلَهُ؛ لِأَنَّ مَا وَرَاءَهُ مُؤَجَّلٌ عُرْفًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْقُدْرَةَ عَلَى النَّفَقَةِ دُونَ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ تَجْرِي الْمُسَاهَلَةُ فِي الْمَهْرِ وَيُعَدُّ الْمَرْءُ قَادِرًا عَلَيْهِ بِيَسَارِ أَبِيهِ.
قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُعْتَبَرُ إلَّا إذَا كَانَ يَسْخَرُ مِنْهُ وَيَخْرُجُ سَكْرَانَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ فَلَا تُبْنَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الدُّنْيَا) وَفِي كَوْنِ هَذَا قَاعِدَةً مُمَهَّدَةً نَظَرٌ إذْ لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ الْمُلَازَمَةِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ قَدْ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ فِيهِ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَعَدَمِهِ، عَلَى أَنَّا لَمْ نَبْنِ إلَّا عَلَى أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُعَيَّرُ بِفِسْقِ الزَّوْجِ فَوْقَ مَا تُعَيَّرُ بِضَعْفِ نَسَبِهِ: يَعْنِي يُعَيِّرُهَا أَشْكَالُهَا إنْ كَانَتْ مِنْ بَنَاتِ الصَّالِحِينَ. وَفِي الْمُحِيطِ: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِاخْتِيَارِ السَّرَخْسِيِّ الرِّوَايَةَ الْمُوَافِقَةَ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ كُفْءٌ فِي الدِّيَانَةِ ثُمَّ صَارَ دَاعِرًا لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْكَفَاءَةِ وَقْتَ النِّكَاحِ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ اعْتِبَارُ الْكَفَاءَةِ فِي الْمَالِ هُوَ (أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ) وَتَقْيِيدُهُ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ احْتِرَازٌ عَمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي الْكَفَاءَةِ فِي الْغِنَى بِمَا نَسَبَهُ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمَهْرِ مِلْكُ مَا تَعَارَفُوا تَعْجِيلَهُ وَإِنْ كَانَ كُلُّهُ حَالًّا. وَفِي الْمُجْتَبَى: قُلْت فِي عُرْفِ أَهْلِ خُوَارِزْمَ كُلُّهُ مُؤَجَّلٌ فَلَا تُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُرَادَ بِمِلْكِ النَّفَقَةِ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ: قِيلَ الْمُعْتَبَرُ مِلْكُ نَفَقَةِ شَهْرٍ، وَقِيلَ نَفَقَةُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَفِي جَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ سَنَةٍ، وَفِي الْمُجْتَبَى: الصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى النَّفَقَةِ عَنْ طَرِيقِ الْكَسْبِ كَانَ كُفْئًا، وَمَعْنَاهُ مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى إيفَاءِ مَا يُعَجِّلُ لَهَا بِالْيَدِ وَيَكْتَسِبُ مَا يُنْفِقُ لَهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ كَانَ كُفْئًا لَهَا. وَفِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ لِلسَّيِّدِ أَبِي شُجَاعٍ جَعَلَ الْأَصَحَّ مِلْكَ نَفَقَةِ شَهْرٍ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: إنْ كَانَ يَجِدُ نَفَقَتَهَا وَلَا يَجِدُ نَفَقَةَ نَفْسِهِ فَهُوَ كُفْءٌ وَإِلَّا لَا يَكُونُ كُفْئًا وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ، ثُمَّ هَذَا إذَا كَانَتْ تُطِيقُ النِّكَاحَ، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُهُ فَهُوَ كُفْءٌ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا (قَوْلُهُ وَيُعَدُّ الْمَرْءُ قَادِرًا بِيَسَارِ أَبِيهِ) وَأُمِّهِ وَجَدِّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute