فَأَمَّا الْكَفَاءَةُ فِي الْغِنَى فَمُعْتَبَرَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ حَتَّى إنَّ الْفَائِقَةَ فِي الْيَسَارِ لَا يُكَافِئُهَا الْقَادِرُ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاخَرُونَ بِالْغِنَى وَيَتَعَيَّرُونَ بِالْفَقْرِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا ثَبَاتَ لَهُ إذْ الْمَالُ غَادٍ وَرَائِحٌ
(وَ) تُعْتَبَرُ (فِي الصَّنَائِعِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا أَنْ تَفْحُشَ كَالْحَجَّامِ وَالْحَائِكِ وَالدَّبَّاغِ.
وَجْهُ الِاعْتِبَارِ أَنَّ النَّاسَ يَتَفَاخَرُونَ بِشَرَفِ الْحِرَفِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِدَنَاءَتِهَا. وَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ الْحِرْفَةَ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ، وَيُمْكِنُ التَّحَوُّلُ عَنْ الْخَسِيسَةِ إلَى
وَجَدَّتِهِ وَلَا تُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَى النَّفَقَةِ بِيَسَارِ الْأَبِ
(قَوْلُهُ فَأَمَّا الْكَفَاءَةُ فِي الْغِنَى) يَعْنِي بَعْدَ مِلْكِهِ لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ هَلْ تُعْتَبَرُ مُكَافَأَتُهُ إيَّاهَا فِي غِنَاهَا، قَالَ: مُعْتَبَرَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، لَكِنْ صَرَّحَ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْمَالِ مَذْمُومَةٌ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ: لَا مُعْتَبَرَ بِالْمُسَاوَاةِ فِي الْغِنَى هُوَ الصَّحِيحُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ مَنْ مَلَكَهُمَا لَا يَكُونُ كُفْئًا لِلْفَائِقَةِ فِي الْغِنَى وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَنَصَّ عَلَى أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ غَيْرُ رِوَايَةِ الْأُصُولِ، وَكَذَا فِي الدِّرَايَةِ قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُمَا فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ.
وَفِي كِتَابِ النِّكَاحِ: لَا تُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ إلَّا عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ الْأَوَائِلِ، قَالَ: وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اعْتَبَرُوا الْكَفَاءَةَ فِي الْمَالِ بَعْدَمَا صَرَّحَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِنَفْيِهِ
(قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ) أَظْهَرُهُمَا لَا تُعْتَبَرُ فِي الصَّنَائِعِ حَتَّى يَكُونَ الْبَيْطَارُ كُفْئًا لِلْعَطَّارِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَعَنْهُ فِي أُخْرَى: الْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ إلَّا الْحَائِكُ وَالْحَجَّامُ، وَكَذَا الدَّبَّاغُ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْكِتَابِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَأَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ فَصَارَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِوَايَتَانِ: الظَّاهِرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمُ الِاعْتِبَارِ، وَالظَّاهِرُ عَنْ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ تُفْحِشَ وَهُوَ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَفِيمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ حَيْثُ قَالَ فِيهِ إلَّا حَائِكًا أَوْ حَجَّامًا، مَا يُفِيدُ اعْتِبَارَهَا فِي الصَّنَائِعِ، لَكِنْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهُوَ أَنَّ الصِّنَاعَاتِ الْمُتَقَارِبَةَ أَكْفَاءٌ كَالْبَزَّازِ وَالْعَطَّارِ، بِخِلَافِ الْمُتَبَاعِدَةِ، وَعَدَّ الْخَيَّاطَ مَعَ الدَّبَّاغِ وَالْحَجَّامِ وَالْكَنَّاسِ قَالَ: فَهَؤُلَاءِ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ وَلَا يُكَافِئُونَ سَائِرَ الْحِرَفِ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فَكَانَ ظَاهِرًا فِي أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارُ الْكَفَاءَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ قَالَ: وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ بَعْدَ أَنْ أَثْبَتَ اعْتِبَارَهَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُعْتَبَرُ وَنَحْوُهُ فِي النَّافِعِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا لَكِنْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْكَفَاءَةِ فِي الصَّنَائِعِ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِكَوْنِهِمَا مِنْ صِنَاعَةٍ وَاحِدَةٍ. وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ: وَهَاهُنَا خَسَاسَةٌ هِيَ أَخَسُّ مِنْ الْكُلِّ وَهُوَ الَّذِي يَخْدُمُ الظَّلَمَةَ يُدْعَى شَاكِرْبَاهْ تَابِعًا وَإِنْ كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ وَمَالٍ. قِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فِي زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُعَدُّ الدَّنَاءَةُ فِي الْحِرْفَةِ مَنْقَصَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute