(وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ اثْنَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ لَمْ تَلْزَمْهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا)؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى تَنْفِيذِهِمَا لِلْمُخَالَفَةِ وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ فِي إحْدَاهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ لِلْجَهَالَةِ وَلَا إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ
لَيْسَ كَلَامَ اثْنَيْنِ إلَّا حُكْمًا لِإِذْنِهِمَا لَهُ أَوْ وِلَايَةً لَهُ، وَلَا إذْنَ لِلْفُضُولِيِّ فَلَا عَقْدَ تَامَّ يَقُومُ بِهِ، فَتَضَمَّنَ هَذَا التَّقْرِيرُ مَنْعَ كَوْنِ الْإِذْنِ لَيْسَ أَثَرُهُ إلَّا فِي النَّفَاذِ بَلْ تَأْثِيرُهُ فِي النَّفَاذِ يَسْتَلْزِمُ تَأْثِيرَهُ فِي كَوْنِهِ عَقْدًا تَامًّا، وَفِي كَوْنِ كَلَامِهِ كَكَلَامَيْنِ لِتَوَقُّفِ النَّفَاذِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ سَلِمَ عَدَمُ تَأْثِيرِهِ فِيهِمَا لَمْ يَلْزَمْ كَوْنُ كَلَامِ الْفُضُولِيِّ عَقْدًا تَامًّا؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْكَلَامِ عَقْدًا تَامًّا لَازِمٌ شَرْعِيٌّ مُسَاوٍ لِلنَّفَاذِ وَلَا إذْنَ لِلْفُضُولِيِّ فَانْتَفَى حُكْمُهُ بِلَازِمِهِ الْمُسَاوِي، بِخِلَافِ الْخُلْعِ وَأُخْتَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفُ يَمِينٍ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ بِقَبُولِهِمَا الْمَالَ فَيَتِمُّ بِهِ إذْ لَيْسَ عَقْدًا حَقِيقِيًّا، وَلِذَا لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُخَالِعَةُ بِأَنْ قَالَتْ خَالَعْت زَوْجِي عَلَى أَلْفٍ لَمْ يَتَوَقَّفْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَانِبِهَا مُبَادَلَةٌ.
وَعُورِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَعْلِيقًا لَمَا بَطَلَ لَوْ قَالَ طَلَّقْتُك بِكَذَا فَقَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبُولِ لَكِنَّهُ يَبْطُلُ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَقْبَلَ بَعْدَهُ.
أُجِيبَ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ تَعْلِيقًا أَنْ لَا يَبْطُلَ بِالْقِيَامِ بَلْ مِنْ التَّعْلِيقَاتِ مَا يَبْطُلُ بِهِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ فِي الْمَجْلِسِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت يُقْتَصَرُ عَلَى وُجُودِ الْمَشِيئَةِ فِي الْمَجْلِسِ وَهَذَا مِثْلُهُ.
[فُرُوعٌ]
لِلْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ أَنْ يَفْسَخَهُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، حَتَّى لَوْ أَجَازَ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ قَاسَهُ عَلَى الْبَيْعِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ تَرْجِعُ إلَى الْفُضُولِيِّ بَعْدَ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْوَكِيلِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ. هَذَا وَتَثْبُتُ الْإِجَازَةُ بِأَجَزْتُ وَنَحْوِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا بِقَوْلِهِ نِعْمَ مَا صَنَعْت وَبَارَكَ اللَّهُ لَنَا وَأَحْسَنْت وَأَصَبْت عَلَى الْمُخْتَارِ، وَاحْتِمَالُهُ الِاسْتِهْزَاءَ لَا يَنْفِي ظُهُورَهُ فِي الْإِجَازَةِ، وَكَذَا هَذَا فِي طَلَاقِ الْفُضُولِيِّ وَبَيْعِهِ، وَكَذَا إذَا هَنَّأَهُ فَقَبِلَ التَّهْنِئَةَ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الرِّضَا، وَكَذَا إذَا قَالَ طَلِّقْهَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلِّقْهَا لِعَبْدِهِ؛ لِأَنَّ تَمَرُّدَهُ يَقْتَضِي حَمْلَهُ عَلَى مَا يُنَاسِبُهُ مِنْ الْمُتَارَكَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ.
وَلَوْ زَوَّجَهُ الْفُضُولِيُّ أَرْبَعًا فِي عُقْدَةٍ وَثَلَاثًا فِي عُقْدَةٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ فَرِيقٍ كَانَ إجَازَةً لِنِكَاحِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الصَّحِيحَ فَرْعُ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَتْ عَلَى رَجُلٍ نِكَاحًا فَأَنْكَرَ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ قَالَتْ لِرَجُلٍ طَلِّقْنِي يَكُونُ إقْرَارًا بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهَا لَمْ يُظَنَّ كَوْنُهَا كَذِبًا وَتَمَرُّدًا لِيَكُونَ ظَاهِرًا فِي الْمُتَارَكَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاشَرَهُ الْعَبْدُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ.
وَقَوْلُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ " مَال أُنِيسَتْ " إجَازَةٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلْإِجَازَةِ ظَاهِرًا، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمَرْأَةِ، وَقَبُولُ الْمَهْرِ إجَازَةٌ، وَقَبُولُ الْهَدِيَّةِ لَيْسَ بِإِجَازَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ سَلَامَتُهُ عَلَى النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ ثِنْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ لَمْ تَلْزَمْهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا) هَذَا شُرُوعٌ فِي مَسَائِلِ الْوَكِيلِ، وَلَا تُشْتَرَطُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute