للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ

(وَمَنْ أَمَرَهُ أَمِيرٌ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ أَمَةً لِغَيْرِهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) رُجُوعًا إلَى إطْلَاقِ اللَّفْظِ وَعَدَمِ التُّهْمَةِ (وَقَالَا: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُزَوِّجَهُ كُفْئًا)؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَصَرَّفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ

الشَّهَادَةُ عَلَى الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ بَلْ عَلَى عَقْدِ الْوَكِيلِ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الْوَكَالَةِ إذَا خِيفَ جَحْدُ الْمُوَكِّلِ إيَّاهَا.

وَقَوْلُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا: يَعْنِي إذَا لَمْ يُعَيِّنْهَا لِلْوَكِيلِ، وَكَأَنَّهُ اكْتَفَى بِالتَّنْكِيرِ دَلَالَةً عَلَى ذَلِكَ، أَمَّا إذَا عَايَنَهَا فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا مَعَ أُخْرَى فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ نَفَذَ فِي الْمُعَيَّنَةِ، وَلَوْ زَوَّجَهُ إيَّاهُمَا فِي عُقْدَتَيْنِ لَزِمَتْهُ الْأُولَى وَتَتَوَقَّفُ الثَّانِيَةُ؛ لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ فِيهِ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِثِنْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ فَزَوَّجَهُ وَاحِدَةً جَازَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبَيْنِ فِي صَفْقَةٍ لَا يَمْلِكُ التَّفْرِيقَ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ فِي الْبَيْعِ مَظِنَّةُ الرُّخْصِ فَاعْتُبِرَ تَقْيِيدُهُ، وَلَيْسَ فِي النِّكَاحِ كَذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا إنْ قَالَ: لَا تُزَوِّجْنِي إلَّا امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ أَفَادَ وَجْهَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ وَلَا وَجْهَ إلَى تَنْفِيذِهِمَا لِلْمُخَالَفَةِ وَلَا إلَى تَنْفِيذِ إحْدَاهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ لِلْجَهَالَةِ وَلَا إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ وَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلدَّعْوَى؛ لِأَنَّهَا عَدَمُ لُزُومِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لَا لُزُومِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يُسَاوِيهَا إذْ لَهُ أَنْ يُجِيزَ نِكَاحَهَا أَوْ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا، وَلَا هُوَ لَازِمٌ مِمَّا ذَكَرَهُ، بَلْ اللَّازِمُ عَدَمُ إمْكَانِ تَنْفِيذِهِمَا إحْدَاهُمَا مُبْهَمَةٌ وَمُعَيَّنَةٌ فَانْتَفَى اللُّزُومُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَوَّلًا: يَصِحُّ نِكَاحُ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَالْبَيَانُ إلَى الزَّوْجِ، ثُمَّ رَجَعَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ مَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ.

إذَا وَقَعَ التَّعْلِيلُ بِالْمُخَالَفَةِ لِعَدَمِ النَّفَاذِ فَلْنَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ فُرُوعِهِ، فَالْوَكِيلُ إذَا خَالَفَ إلَى خَيْرٍ لَوْ كَانَ خِلَافُهُ كَلَا خِلَافٍ نَفَذَ عَقْدُهُ، وَلَيْسَ مِنْهُ مَا إذَا أَمَرَهُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَزَوَّجَهُ صَحِيحًا، بَلْ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ نِكَاحًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ حُكْمَهُ وَهُوَ الْمِلْكُ.

وَأَمَّا الْعِدَّةُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ فَلَيْسَ حُكْمًا لَهُ بَلْ لِلْفِعْلِ إذَا لَمْ يَتَمَحَّضْ زِنًا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ بَيْعٌ يُفِيدُ حُكْمَهُ مِنْ الْمِلْكِ فَكَانَ الْخِلَافُ فِيهِ إلَى الْبَيْعِ الصَّحِيحِ خِلَافًا إلَى خَيْرٍ فَيَلْزَمُ، وَلَيْسَ مِنْهُ مَا إذَا وَكَّلَهُ بِالنِّكَاحِ بِأَلْفٍ فَلَمْ تَرْضَ الْمَرْأَةُ حَتَّى زَادَهَا الْوَكِيلُ ثَوْبًا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ، وَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ إلَى ضَرَرٍ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَوْ اُسْتُحِقَّ وَجَبَتْ عَلَى الزَّوْجِ لَا الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى مُتَبَرِّعٍ حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، وَلَا يَكُونُ الدُّخُولُ بِهَا رِضًا بِمَا صَنَعَ الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فَإِنْ فَارَقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالدُّخُولُ فِيهِ يُوجِبُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَرَهُ بِعَمْيَاءَ فَزَوَّجَهُ بَصِيرَةً جَازَ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِبَيْضَاءَ فَزَوَّجَهُ سَوْدَاءَ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ أَوْ مِنْ قَبِيلَةٍ فَزَوَّجَهُ مِنْ أُخْرَى أَوْ بِأَمَةٍ فَزَوَّجَهُ حُرَّةً لَا يَجُوزُ، وَلَوْ زَوَّجَهُ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ جَازَ

. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَمَرَهُ أَمِيرٌ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ أَمَةَ غَيْرِهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رُجُوعًا إلَى إطْلَاقِ اللَّفْظِ وَعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَقَالَا: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُزَوِّجَهُ كُفْئًا)

<<  <  ج: ص:  >  >>