فَيَتَقَدَّرُ بِمَا لَهُ خَطَرٌ وَهُوَ الْعَشَرَةُ اسْتِدْلَالًا بِنِصَابِ السَّرِقَةِ (وَلَوْ سَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ فَلَهَا الْعَشَرَةُ) عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ
عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَكَوْنُ الْعَلَائِقِ يُرَادُ بِهَا النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَنَحْوُهَا إلَّا أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَاحْتِمَالُ الْتَمِسْ خَاتَمًا فِي الْمُعَجَّلِ وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ لَكِنْ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ بَعْدَهُ «زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» فَإِنْ حُمِلَ عَلَى تَعْلِيمِهِ إيَّاهَا مَا مَعَهُ أَوْ نَفْيِ الْمَهْرِ بِالْكُلِّيَّةِ عَارَضَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى بَعْدَ عَدِّ الْمُحَرَّمَاتِ ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ﴾ فَقَيَّدَ الْإِحْلَالَ بِالِابْتِغَاءِ بِالْمَالِ، فَوَجَبَ كَوْنُ الْخَبَرِ غَيْرَ مُخَالِفٍ لَهُ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ مَا لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ التَّوَاتُرِ وَهِيَ قَطْعِيَّةٌ فِي دَلَالَتِهَا؛ لِأَنَّهُ نَسْخٌ لِلْقَطْعِيِّ فَيَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا، فَأَمَّا إذَا كَانَ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَلَا، فَكَيْفَ وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ غَيْرَ تَمَامِ الْمَهْرِ ثَابِتٌ بِنَاءً عَلَى مَا عُهِدَ مِنْ أَنَّ لُزُومَ تَقْدِيمِ شَيْءٍ أَوْ نَدْبِهِ كَانَ وَاقِعًا فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَى ذَلِكَ، لَكِنْ يَبْقَى كَوْنُ الْحَمْلِ عَلَى ذَلِكَ إعْمَالًا لِخَبَرٍ وَاحِدٍ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فَيَسْتَلْزِمُ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَقْيِيدَ الْإِحْلَالِ بِمُطْلَقِ الْمَالِ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِمَالٍ مُقَدَّرٍ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ اقْتَرَنَ النَّصُّ نَفْسُهُ بِمَا يُفِيدُ تَقْدِيرَهُ بِمُعَيَّنٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى عَقِيبُهُ ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ ثُمَّ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ مَحْمَلٌ فَيَلْتَحِقُ بَيَانًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. قُلْنَا: إنَّمَا أَفَادَ النَّصُّ مَعْلُومِيَّةَ الْمَفْرُوضِ لَهُ سُبْحَانَهُ وَالِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ فِي الزَّوْجَاتِ وَالْمَمْلُوكِينَ مَا يَكْفِي كُلًّا مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى فَهُوَ مُرَادٌ مِنْ الْآيَةِ قَطْعًا. وَكَوْنُ الْمَهْرِ أَيْضًا مُرَادًا بِالسِّيَاقِ؛ لِأَنَّهُ عَقِيبَ قَوْلِهِ ﴿خَالِصَةً لَكَ﴾ يَعْنِي نَفْيَ الْمَهْرِ خَالِصَةً لَكَ وَغَيْرِكَ ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ﴾ مِنْ ذَلِكَ فَخَالَفَ حُكْمُهُمْ حُكْمَكَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَقْدِيرَهُ بِمُعَيَّنٍ وَتَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ فِي تَقْدِيرِ الْمَهْرِ قِيَاسٌ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَهْرَ حَقُّ الشَّرْعِ بِالْآيَةِ، وَسَبَبُهُ إظْهَارُ الْخَطَرِ لِلْبُضْعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَمُطْلَقُ الْمَالِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْخَطَرَ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ وَكَسْرَةٍ، وَقَدْ عُهِدَ فِي الشَّرْعِ تَقْدِيرُ مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الْعُضْوُ بِمَا لَهُ خَطَرٌ وَذَلِكَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ فَيُقَدَّرُ بِهِ فِي اسْتِبَاحَةِ الْبُضْعِ، وَهَذَا مِنْ رَدِّ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ إلَى الْمُخْتَلِفِ فِيهِ، فَإِنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُمْ لَا يُقَدِّرُونَ نِصَابَ السَّرِقَةِ بِعَشْرَةٍ، وَأَيْضًا الْمُقَدَّرُ فِي الْأَصْلِ عَشْرَةٌ مَسْكُوكَةٌ أَوْ مَا يُسَاوِيهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَهْرِ ذَلِكَ، فَلَوْ سَمَّى عَشْرَةَ تِبْرٍ تُسَاوِي تِسْعَةً مَسْكُوكَةً جَازَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ اسْتِدْلَالًا عَلَى أَنَّهُ مُقَدَّرٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي نَفْيِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ فَلَهَا الْعَشَرَةُ عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ) قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ التَّسْمِيَةِ هَكَذَا تَسْمِيَةُ الْأَقَلِّ تَسْمِيَةٌ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا، وَتَسْمِيَةُ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا كَعَدَمِهَا، فَتَسْمِيَةُ الْأَقَلِّ كَعَدَمِ التَّسْمِيَةِ، وَعَدَمُ التَّسْمِيَةِ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَتَسْمِيَةُ الْأَقَلِّ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ.
وَقَوْلُنَا اسْتِحْسَانٌ، وَلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَشَرَةَ فِي كَوْنِهَا صَدَاقًا لَا تَتَجَزَّأُ شَرْعًا، وَتَسْمِيَةُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَكُلِّهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ نِصْفَهَا أَوْ طَلَّقَ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ حَيْثُ يَنْعَقِدُ وَيَقَعُ طَلْقَةً، فَكَذَا تَسْمِيَةُ بَعْضِ الْعَشَرَةِ. وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ حَاصِلُهُ أَنَّ فِي الْمَهْرِ حَقَّيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute