مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا كَانْعِدَامِهِ وَلَنَا أَنَّ فَسَادَ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَقَدْ صَارَ مُقْتَضِيًا بِالْعَشَرَةِ، فَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهَا فَقَدْ رَضِيَتْ بِالْعَشَرَةِ لِرِضَاهَا بِمَا دُونَهَا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَرْضَى بِالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ تَكَرُّمًا، وَلَا تَرْضَى فِيهِ بِالْعِوَضِ الْيَسِيرِ. وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا تَجِبُ خَمْسَةٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ ﵏، وَعِنْدَهُ تَجِبُ الْمُتْعَةُ كَمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا (وَمَنْ سَمَّى مَهْرًا عَشْرَةً فَمَا زَادَ
حَقُّهَا وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا، وَحَقُّ الشَّرْعِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ، وَلِلْإِنْسَانِ التَّصَرُّفُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِالْإِسْقَاطِ دُونَ حَقِّ غَيْرِهِ. فَإِذَا رَضِيَتْ بِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَقَدْ أَسْقَطَتْ مِنْ الْحَقَّيْنِ فَيُعْمَلُ فِيمَا لَهَا الْإِسْقَاطُ مِنْهُ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ دُونَ مَا لَيْسَ لَهَا وَهُوَ حَقُّ الشَّرْعِ فَيَجِبُ تَكْمِيلُ الْعَشَرَةِ قَضَاءً لِحَقِّهِ، فَإِيجَابُ الزَّائِدِ بِلَا مُوجِبٍ. فَإِنْ قِيلَ: الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ مُوجِبٌ لَهُ وَلَمْ يَبْطُلْ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ مُعَارَضَةٌ. قُلْنَا: إبْطَالُهُ أَنَّ التَّشْبِيهَ الْمَذْكُورَ إمَّا فِي الْحُكْمِ ابْتِدَاءً بِأَنْ يَدَّعِيَ انْدِرَاجَ تَسْمِيَةِ مَا لَا يَصْلُحُ فِي عَدَمِهَا، فَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهِ أَعْنِي وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ حِينَئِذٍ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ دُونَ الْقِيَاسِ وَحِينَئِذٍ يُمْنَعُ الِانْدِرَاجُ، وَإِمَّا فِي الْجَامِعِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِيَثْبُتَ حُكْمُ الْجَامِعِ فِي مَحَلِّ ثُبُوتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ لِيَعْلَمَ ثُبُوتَهُ فِي الْفَرْعِ إذْ قِيَاسُ الشَّبَهِ الطَّرْدِيِّ بَاطِلٌ، وَلَا يُعْلَمُ مَا هُوَ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ شَيْءٍ إذْ لَا قُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِ الْعَدَمِ بِوَجْهٍ وَحِينَئِذٍ تُمْنَعُ كُلِّيَّةُ الْكُبْرَى؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ يَخُصُّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالْمَجْهُولِ فَاحِشًا، وَإِنْ عَيَّنَهُ فَوَاتُ الْخَطَرِ الَّذِي وَجَبَ لِأَجْلِهِ الْمَهْرُ عَلَى مَا قَرَّرْتُمْ.
قُلْنَا: فَيَجِبُ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ مَهْرُ الْمِثْلِ لِتَحَقُّقِهِ بِالْعَشَرَةِ فَالزَّائِدُ بِلَا مُوجِبٍ، وَأَمَّا إفْسَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ إلَخْ يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ مَا يَصْلُحُ مَهْرًا يَكُونُ كَعَدَمِ التَّسْمِيَةِ فِي إيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ عَدَمَهَا قُصَارَاهُ أَنْ يَكُونَ لِرِضَاهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِطَلَبِهَا مَهْرَ الْمِثْلِ لِمَعْرِفَةِ أَنَّهُ حُكْمُهُ وَرِضَاهَا بِلَا مَهْرٍ لَا يَسْتَلْزِمُ رِضَاهَا بِالْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَرْضَى بِعَدَمِهِ تَكَرُّمًا عَلَى الزَّوْجِ وَلَا تَرْضَى بِالْعِوَضِ الْيَسِيرِ تَرَفُّعًا فَبَعِيدٌ عَنْ الْمَبْنَى.
وَلَوْ قِيلَ عَدَمُ التَّسْمِيَةِ ظَاهِرٌ فِي الْقَصْدِ إلَى ثُبُوتِ حُكْمِهِ مِنْ وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَيْسَ الثَّابِتُ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ ظُهُورُ ذَلِكَ وَإِلَّا لَتَرَكُوا التَّسْمِيَةَ رَأْسًا؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ التَّسْمِيَةِ تَكَلُّفُ أَمْرٍ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ قَصْدُ مَهْرِ الْمِثْلِ مَعَ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي كَوْنِ حُكْمِ تَسْمِيَةِ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْعَشَرَةِ لَمَّا صَرَّحَتْ بِالرِّضَا بِمَا دُونَهَا فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْأَصْلِ فِيهِ لَكَانَ أَقْرَبَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَمَسَّ الْمَبْنَى. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْخِلَافِ فَقَالَ (وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ) أَيْ فِي صُورَةِ تَسْمِيَةِ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ (فَلَهَا خَمْسَةٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ)؛ لِأَنَّ مُوجِبَ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ عَشْرَةٌ (وَعِنْدَهُ الْمُتْعَةُ) وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ يُسَاوِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute