إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُهَا وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ فِي الْمُتْعَةِ الْوَاجِبَةِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُهُ عَمَلًا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾ ثُمَّ هِيَ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَا تَنْقُصُ
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ، وَحَيْثُ قَدَّرُوهَا بِهِ مَعَ فَهْمِ اللُّغَةِ يُعْرَفُ مِنْهُ أَنَّ لَفْظَ مُتْعَةٍ لَا يُقَالُ فِي إعْطَاءِ الدَّرَاهِمِ بَلْ فِيمَا سِوَاهَا مِنْ الْأَثَاثِ وَالْأَمْتِعَةِ، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ أَيْضًا فَلَا تُقَدَّرُ بِالدَّرَاهِمِ وَإِنْ لَمْ يُمْتَنَعْ أَنْ يَقَعَ عَلَى الدَّرَاهِمِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ فِي الْمُتَبَادَرِ مِنْ اللَّفْظِ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ تَقْدِيرُهَا بِثَلَاثِينَ، وَلَا بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَإِنَّمَا يَجْتَهِدُ لِيَعْرِفَ حَالَ مَنْ يُعْتَبَرُ بِحَالِهِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ أَوْ حَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَثْوَابَ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِهِمَا عَلَى مَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ حَالِهِ تَسْوِيَةً بَيْنَ الشَّرِيفَةِ وَالْخَسِيسَةِ وَهُوَ مُنْكَرٌ بَيْنَ النَّاسِ.
وَقِيلَ يُعْتَبَرُ حَالُهَا وَهُوَ الَّذِي يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ مِنْ كِسْوَةِ مِثْلِهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ لِقِيَامِ هَذِهِ الْمُتْعَةِ مَقَامَ مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ سُقُوطِهِ وَفِيهِ يُعْتَبَرُ حَالُهَا فَكَذَا فِي خَلْقِهِ، وَهَكَذَا فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ السُّفْلِ فَمِنْ الْكِرْبَاسِ، وَإِنْ كَانَتْ وَسَطًا فَمِنْ الْقَزِّ، وَإِنْ كَانَتْ مُرْتَفِعَةَ الْحَالِ فَمِنْ الْإِبْرَيْسَمِ.
وَإِطْلَاقُ الذَّخِيرَةِ كَوْنُهَا وَسَطًا لَا بِغَايَةِ الْجَوْدَةِ وَلَا بِغَايَةِ الرَّدَاءَةِ لَا يُوَافِقُ رَأْيًا مِنْ الثَّلَاثَةِ الِاعْتِبَارِ بِحَالِهِ أَوْ حَالِهَا أَوْ حَالِهِمَا. وَقِيلَ يُعْتَبَرُ حَالُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَصَحَّحَهُ عَمَلًا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ إنَّ الْمُتْعَةَ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا خَلَفُهُ، فَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَالْوَاجِبُ الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّهَا الْفَرِيضَةُ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَإِنْ كَانَ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِنْ الْمُتْعَةِ فَالْوَاجِبُ الْأَقَلُّ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ خَمْسَةٍ فَيُكْمِلُ لَهَا الْخَمْسَةَ، وَهَذَا كُلُّهُ نَصُّ الْأَصْلِ وَالْمَبْسُوطِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ حَالِهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ هُوَ الْعِوَضُ الْأَصْلِيُّ لَكِنَّهُ تَعَذَّرَ تَنْصِيفُهُ لِجَهَالَتِهِ فَيُصَارُ إلَى الْمُتْعَةِ خَلَفًا عَنْهُ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى نِصْفِ الْمَهْرِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْخَمْسَةِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْمَهْرِ عَشْرَةٌ.
وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ اعْتِبَارَ الْمُتْعَةِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ النِّكَاحَ الَّذِي فِيهِ التَّسْمِيَةُ بِالْمَالِ أَقْوَى مِنْ نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ. وَفِي الْأَقْوَى لَا يَجِبُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ مَا كَانَ وَاجِبًا قَبْلَهُ، فَكَذَا فِي النِّكَاحِ الَّذِي لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ، وَكَانَ الْوَاجِبُ قَبْلَ الدُّخُولِ مَهْرَ الْمِثْلِ فَلَا يُزَادُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى نِصْفِهِ، ثُمَّ لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهِ كَالْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَرِدَّتِهِ وَإِبَائِهِ وَتَقْبِيلِهِ أُمَّهَا أَوْ ابْنَتَهَا بِشَهْوَةٍ، وَإِنْ جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا فَلَا تَجِبُ كَرِدَّتِهَا وَإِبَائِهَا الْإِسْلَامَ وَتَقْبِيلِهَا ابْنَهُ بِشَهْوَةٍ وَالرَّضَاعِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَكَمَا لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ بِسَبَبِ مَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute