عَلَى مَا مَرَّ.
(وَإِنْ حَطَّتْ عَنْهُ مِنْ مَهْرِهَا صَحَّ الْحَطُّ)؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ بَقَاءُ حَقِّهَا وَالْحَطُّ يُلَاقِيهِ حَالَةَ الْبَقَاءِ
(وَإِذَا خَلَا الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ الْوَطْءِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفًى بِالْوَطْءِ فَلَا يَتَأَكَّدُ الْمَهْرُ دُونَهُ
وَضْعُ الْأَصْلِ لِإِفَادَةِ قَوْلِهِ وَكَأَنَّ الْقَاضِيَ الْإِمَامَ قَاضِي خَانْ إنَّمَا أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي شَيْءٌ إلَّا إذَا عَنَى بِهِ الزِّيَادَةَ فِي الْمَهْرِ لِمَا عُلِمَ أَنَّ عِلَّةَ اعْتِبَارِ الْعَلَانِيَةِ فِيمَا إذَا جَدَّدَا وَلَمْ يُشْهِدَا كَوْنَهُ زِيَادَةً، لَكِنَّ الْأَوْجَهَ الْإِطْلَاقُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَسْأَلَ الزَّوْجَانِ عَنْ مُرَادِهِمَا قَبْلَ الْحُكْمِ، وَقَدْ يُنْكِرُ الزَّوْجُ الْقَصْدَ وَيَنْفَتِحُ بَابُ الْخُصُومَةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الثَّابِتُ شَرْعًا جَوَازَ الزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ وَالْكَلَامُ الثَّانِي يُعْطِيهِ صَادِرًا مِنْ مُمَيِّزٍ عَاقِلٍ وَجَبَ الْحُكْمُ بِمُقْتَضَاهُ، بَلْ يَجِبُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْهَزْلَ بِهِ لَا يُقْبَلُ مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى اتِّفَاقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ.
نَعَمْ وَيَخَالُ أَيْضًا أَنَّهُ يَجِبُ الْأَلْفَانِ مَعَ الْأَلْفِ السِّرِّ فَتَجْتَمِعُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ ثَبَتَ وُجُوبُهُ ثُبُوتًا لَا مَرَدَّ لَهُ، وَالْمَفْرُوضُ لَهُ كَوْنُ الثَّانِي زِيَادَةً فَيَجِبُ بِكَمَالِهِ مَعَ الْأَوَّلِ. وَمِنْ ثَمَّ ذَكَرَ فِي الدِّرَايَةِ عَنْ شَرْحِ الْإِسْبِيجَابِيِّ: جَدَّدَ عَلَى أَلْفٍ آخَرَ تَثْبُتُ التَّسْمِيَتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَثْبُتُ الثَّانِيَةُ، وَكَذَا لَوْ رَاجَعَ الْمُطَلَّقَةَ بِأَلْفٍ. وَفِي النَّوَازِلِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ: إذَا جَدَّدَ يَجِبُ كِلَا الْمَهْرَيْنِ. وَوَجْهُ مَنْ نَقَلَ لُزُومَ الثَّانِي فَقَطْ اعْتِبَارُ إرَادَةِ الْأَوَّلِ فِي ضِمْنِ الْكَلَامِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ كَوْنُ الْمَقْصُودِ تَغْيِيرَ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْإِطْلَاقِ الْمُتَضَافِرِ عَلَيْهِ كَوْنُ الْمُرَادِ بِكَلَامِ الْجُمْهُورِ لُزُومُهُ إذَا لَمْ يُشْهِدَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، وَمُرَادُ الْقَاضِي لُزُومُهُ عِنْدَ اللَّهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا شَكَّ إنَّمَا يَلْزَمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا قَصَدَا الزِّيَادَةَ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْصِدَا حَتَّى كَانَا هَازِلَيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا يَلْزَمُ عِنْدَ اللَّهِ شَيْءٌ حَتَّى لَا يُطَالَبَ بِهِ فِي الْقِيَامَةِ، وَيَلْزَمُ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ يُؤَاخِذُهُ بِظَاهِرِ لَفْظِهِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَا عَلَى خِلَافِهِ.
وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ الثَّانِي إلَّا إذَا كَانَتْ قَالَتْ لَا أَرْضَى بِالْمَهْرِ الْأَوَّلِ أَوْ أَبْرَأْتُهُ، ثُمَّ قَالَتْ: لَا أُقِيمُ مَعَكَ بِدُونِ مَهْرٍ. فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْبِسَاطُ فَلَا يَجِبُ، الثَّانِي قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي وَحَاصِلُهُ اعْتِبَارُ قَرِينَةِ إرَادَةِ الزِّيَادَةِ وَاخْتِلَافِهِمْ فِيمَا إذَا كَانَ التَّجْدِيدُ بَعْدَ هِبَتِهَا الْمَهْرَ الْأَوَّلَ أَنَّهُ هَلْ يَكُونُ وُجُوبُ الثَّانِي عَلَى الْخِلَافِ أَوْ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ غَيْرُ بَعِيدٍ، إذْ قَدْ يَخَالُ كَوْنَ الزِّيَادَةِ تَسْتَدْعِي قِيَامَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ، وَبِالْهِبَةِ انْتَقَى قِيَامُهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُ الثَّانِي زِيَادَةً وَهُوَ الْمُحَقِّقُ لِوُجُوبِهِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا يَسْتَدْعِي دُخُولَهُ فِي الْوُجُودِ لَا بَقَاءَهُ إلَى وَقْتِ الزِّيَادَةِ فَصَلَحَ مَنْشَأً لِلْخِلَافِ فِي ثُبُوتِهِ عَلَى الْخِلَافِ أَوْ عَدَمِ ثُبُوتِهِ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي الْفَتَاوَى: امْرَأَةٌ وَهَبَتْ مَهْرَهَا مِنْ زَوْجِهَا ثُمَّ إنَّ زَوْجَهَا أَشْهَدَ أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ كَذَا مِنْ مَهْرِهَا تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّ إقْرَارَهُ جَائِزٌ إذَا قَبِلْت. وَوَجَّهَهُ فِي التَّجْنِيسِ بِوُجُوبِ تَصْحِيحِ التَّصَرُّفِ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ بِأَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ زَادَهَا فِي الْمَهْرِ، وَإِنَّمَا شَرَطْنَا الْقَبُولَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَهْرِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِقَبُولِ الْمَرْأَةِ اهـ. وَالْخِلَافُ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَالْمُخْتَارُ فَرْعُ الْخِلَافِ الَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ هِبَتِهَا الْمَهْرَ. وَالْقَيْدُ وَهُوَ قَبُولُ الْمَرْأَةِ صَحِيحٌ لَا يُخَالِفُ الْمَنْقُولَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ هُوَ مَا إذَا جَدَّدَا وَعَقَدَا ثَانِيًا بِأَكْثَرَ مِمَّا يُفِيدُ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى الْأَمْرِ الثَّانِي، وَذَلِكَ يُفِيدُ قَبُولَهَا الثَّانِي بِلَا شُبْهَةٍ، بِخِلَافِ هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا أَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ أَوْ أَشْهَدَ وَنَحْوَهُ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ) وَهُوَ مَنَافِعُ بُضْعِهَا (إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفًى بِالْوَطْءِ) وَلَا يَجِبُ كَمَالُ الْبَدَلِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute