وَلَنَا أَنَّهَا سَلَّمَتْ الْمُبْدَلَ حَيْثُ رَفَعَتْ الْمَوَانِعَ وَذَلِكَ وُسْعُهَا فَيَتَأَكَّدُ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا أَوْ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ أَوْ مُحْرِمًا بِحَجٍّ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ أَوْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَيْسَتْ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً)
يَجِبُ كَمَالُ الْمَهْرِ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهَا سَلَّمَتْ الْمُبْدَلَ إلَخْ) يَتَضَمَّنُ مَنْعَ تَوَقُّفِ وُجُوبِ الْكَمَالِ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ بَلْ عَلَى التَّسْلِيمِ (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ) وَالْإِجَارَةِ، وَيَعْنِي أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْبَدَلِ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ لَا حَقِيقَةُ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ الْمُوجِبُ فِيهِمَا التَّسْلِيمُ وَهُوَ رَفْعُ الْمَوَانِعِ وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ الْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرُ مَنْفَعَةً أَصْلًا، فَكَذَا فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ يَكُونُ تَسْلِيمُ الْبُضْعِ بِذَلِكَ بَلْ أَوْلَى.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ فَالْمَجَازُ فِيهِ مُتَحَتِّمٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ حُمِلَ الْمَسُّ عَلَى الْوَطْءِ كَمَا يَقُولُ فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ. وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُطْلَقِ عَلَى أَخَصَّ بِخُصُوصِهِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْخَلْوَةِ كَمَا نَقُولُ فَمِنْ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ إذْ الْمَسُّ مُسَبَّبٌ عَنْ الْخَلْوَةِ عَادَةً وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُمْكِنٌ. وَيُرَجَّحُ الثَّانِي بِمُوَافَقَةِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ وَالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ «مَنْ كَشَفَ خِمَارَ امْرَأَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَيْهَا وَجَبَ الصَّدَاقُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِهِ وَقَدْ يُقَالُ: يَجِبُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ هُنَا خِلَافَ الْأَوَّلِ مَجَازٌ إلَّا مَجَازًا يَعُمُّ الْحَقِيقَةَ، وَالْخَلْوَةُ لَا تَصْدُقُ عَلَى الْجِمَاعِ فَلَا يَكُونُ الْمَسُّ مَجَازًا فِيهَا، وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا وَقَدْ وَطِئَهَا بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْخَلْوَةِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهَا الْمُرَادُ بِالْمَسِّ فِي النَّصِّ وَهُوَ بَاطِلٌ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْخَلْوَةِ.
وَيُجَابُ بِأَنَّ ثُبُوتَ الْكَمَالِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ حِينَئِذٍ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ مَعَ ادِّعَاءِ الْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ كَمَالِهِ بِالْخَلْوَةِ، كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِهِ حَيْثُ قَالَ: هُوَ اتِّفَاقُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ. وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ فِيهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ﵃ أَجْمَعِينَ -. وَيُوَافِقُهُ قَوْله تَعَالَى ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ أَوْجَبَ جَمِيعَ الْمَهْرِ بِالْإِفْضَاءِ وَهُوَ الْخَلْوَةُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْقَضَاءِ قَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ وُجُوبُ نِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْخَلْوَةِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى النَّصِّ مَخْصُوصًا أَخْرَجَ مِنْهُ الصُّورَةَ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِ الْمُخَصِّصِ الْإِجْمَاعُ الْمَذْكُورُ.
وَمِنْ فُرُوعِ لُزُومِ الْمَهْرِ بِالْخَلْوَةِ لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ عَلَى بَطْنِهَا فَعَلَيْهِ مَهْرَانِ: مَهْرٌ بِالزِّنَا؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ الْحَدُّ بِالتَّزَوُّجِ قَبْلَ تَمَامِ الزِّنَا، وَالْمَهْرُ الْمُسَمَّى بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَزِيدُ عَلَى الْخَلْوَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ مَوَانِعِ صِحَّةِ الْخَلْوَةِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِيهِ جَامِعَةٌ، قَالَ: الْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا فِي مَكَان يَأْمَنَانِ فِيهِ مِنْ اطِّلَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِمَا كَدَارٍ وَبَيْتٍ دُونَ الصَّحْرَاءِ وَالطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ وَالسَّطْحِ الَّذِي لَيْسَ عَلَى جَوَانِبِهِ سُتْرَةٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ السِّتْرُ رَقِيقًا أَوْ قَصِيرًا بِحَيْثُ لَوْ قَامَ إنْسَانٌ يَطَّلِعُ عَلَيْهِمَا يَرَاهُمَا، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَانِعٌ مِنْ الْوَطْءِ حِسًّا وَلَا طَبْعًا وَلَا شَرْعًا اهـ.
وَمِنْ فَصْلِ الْمَوَانِعِ ذَكَرَ مِنْهَا الرَّتَقَ وَالْقَرَنَ وَالْعَفَلَ وَأَنْ تَكُونَ شَعْرَاءَ أَوْ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ أَوْ هُوَ صَغِيرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَ يَشْتَهِي وَتَتَحَرَّكُ آلَتُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ كَمَالُ الْمَهْرِ، وَإِذَا كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ اسْتَوَى مَنْعُهُ لِصِحَّةِ الْخَلْوَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute