حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا كَانَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَوَانِعُ، أَمَّا الْمَرَضُ فَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ، وَقِيلَ مَرَضُهُ لَا يُعْرَى عَنْ تَكَسُّرٍ وَفُتُورٍ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي مَرَضِهَا وَصَوْمِ رَمَضَانَ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ، وَالْإِحْرَامِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الدَّمِ وَفَسَادِ النُّسُكِ وَالْقَضَاءِ، وَالْحَيْضُ مَانِعٌ طَبْعًا وَشَرْعًا (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَائِمًا تَطَوُّعًا فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ)؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى،
أَعْمَى يَقْظَانَ أَوْ نَائِمًا بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى يَحُسُّ وَالنَّائِمُ يَسْتَيْقِظُ وَيَتَنَاوَمُ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ لَا يُمْنَعُ. وَقِيلَ الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يُمْنَعَانِ، وَزَوْجَتُهُ الْأُخْرَى مَانِعَةٌ إلَيْهِ رَجَعَ مُحَمَّدٌ، وَالْجَوَارِي لَا تُمْنَعُ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ: جَارِيَتُهَا تُمْنَعُ بِخِلَافِ جَارِيَتِهِ.
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: فِي أَمَتِهِ رِوَايَتَانِ. وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ مَانِعٌ، وَغَيْرُ الْعَقُورِ إنْ كَانَ لَهَا مَنَعَ أَوْ لَهُ لَا يَمْنَعُ، وَعِنْدِي أَنَّ كَلْبَهُ لَا يَمْنَعُ وَإِنْ كَانَ عَقُورًا؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ قَطُّ لَا يَتَعَدَّى عَلَى سَيِّدِهِ وَلَا عَلَى مَنْ يَمْنَعُهُ سَيِّدُهُ عَنْهُ.
وَلَوْ سَافَرَ بِهَا فَعَدَلَ عَنْ الْجَادَّةِ بِهَا إلَى مَكَان خَالٍ فَهِيَ صَحِيحَةٌ، وَلَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ. وَقَالَ شَدَّادٌ: إنْ كَانَتْ ظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ صَحَّتْ؛ لِأَنَّهَا كَالسَّاتِرِ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ تَصِحُّ عَلَى سَطْحٍ لَا سَاتِرَ لَهُ إذَا كَانَتْ ظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ. وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ الْإِحْسَاسُ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْبَصَرِ، أَلَا تَرَى إلَى الِامْتِنَاعِ لِوُجُودِ الْأَعْمَى وَلَا إبْصَارَ لِلْإِحْسَاسِ، وَلَا تَصِحُّ فِي بُسْتَانٍ لَيْسَ لَهُ بَابٌ، وَتَصِحُّ فِي مَحْمَلٍ عَلَيْهِ قُبَّةٌ مَضْرُوبَةٌ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى وَطْئِهَا وَإِنْ كَانَ نَهَارًا وَالْحَجْلَةُ وَالْقُبَّةُ كَذَلِكَ.
وَلَوْ كَانَا فِي مَخْزَنٍ مِنْ خَانٍ يَسْكُنُهُ النَّاسُ فَرَدَّ الْبَابَ وَلَمْ يُغْلِقْهُ وَالنَّاسُ قُعُودٌ فِي وَسَطِهِ غَيْرَ مُتَرَصِّدِينَ لِنَظَرِهِمَا صَحَّتْ، وَإِنْ كَانُوا مُتَرَصِّدِينَ لَا تَصِحُّ، وَهَذِهِ الْمَوَانِعُ مِنْ قَبِيلِ الْحِسِّيِّ. وَلَوْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَعْرِفْهَا ثُمَّ خَرَجَتْ أَوْ دَخَلَ هُوَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَعْرِفْهَا لَا تَصِحُّ عِنْدَ أَبِي اللَّيْثِ، وَتَصِحُّ عِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ نَائِمَةً، وَلَوْ عَرَفَهَا هُوَ وَلَمْ تَعْرِفْهُ هِيَ تَصِحُّ.
[فَرْعَانِ]
الْأَوَّلُ: لَوْ قَالَ إنْ خَلَوْت بِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَلَا بِهَا طَلُقَتْ وَيَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ. الثَّانِي: لِلزَّوْجِ أَنْ يَدْخُلَ بِزَوْجَتِهِ إذَا كَانَتْ تُطِيقُ الْجِمَاعَ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ، وَقَدْ قُدِّرَ بِالْبُلُوغِ وَبِالتِّسْعِ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا أَقَامُوا الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ وَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ وَمُرَاعَاةِ وَقْتِ طَلَاقِهَا وَلَمْ يُقِيمُوهَا مَقَامَهُ فِي الْإِحْصَانِ، وَحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ وَالرَّجْعَةِ وَالْمِيرَاثِ، وَحُرْمَةِ الْبَنَاتِ. يَعْنِي إذَا خَلَا بِالْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ لَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا، وَإِذَا خَلَا بِامْرَأَةٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا تَحْرُمُ بَنَاتُهَا وَلَا يَرِثُ مِنْهَا لَوْ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ لِلِاحْتِيَاطِ الْوَاجِبِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ. وَفِي شَرْحِ الشَّافِي ذَكَرَ تَزَوُّجَ الْبِنْتِ عَلَى عَكْسِ هَذَا فَفِيهِ خِلَافٌ وَأَمَّا فِي حَقِّ وُقُوعِ طَلَاقٍ آخَرَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَشْبَهُ وُقُوعُهُ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ فِي هَذَا الْبَابِ وَجَبَ أَنْ يَقَعَ احْتِيَاطًا (قَوْلُهُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي مَرَضِهَا) قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute