وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: الْأَصْلُ أَنَّ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ ذَاتًا، وَالْوَصْفُ يَتْبَعُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ
التَّعْلِيلَاتِ مُقْتَضَى افْتِرَاقِهِمْ فِي مَبَانِي الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ أَبَا يُوسُفَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ سَمَّى لَهَا مَالًا وَتَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ فِي الْقِيَمِيِّ وَالْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ، وَالْعَبْدُ قِيَمِيٌّ وَالْخَمْرُ مِثْلِيٌّ. ثُمَّ قَالَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: لَمَّا اجْتَمَعَتْ إلَخْ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيهِ. فَفِي الْإِيضَاحِ: لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمُشَارَ إلَيْهِ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى مِنْ جِنْسِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَالْمُسَمَّى.
وَفِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ قَالَ: هَذَا الْخِلَافُ يَنْشَأُ مِنْ أَصْلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ إلَى آخِرِ مَعْنَى مَا ذَكَرْنَا وَمَا نَذْكُرُ، وَلِأَنَّ هَذَا الْأَصْلَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ. وَتَفْصِيلُهُ مِنْ الْكَافِي قَالَ: هَذِهِ الْمَسَائِلُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّ الْإِشَارَةَ وَالتَّسْمِيَةَ إذَا اجْتَمَعَتَا وَالْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَالْعِبْرَةُ لِلتَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهَا تُعَرِّفُ الْمَاهِيَةَ وَالْإِشَارَةُ تُعَرِّفُ الصُّورَةَ فَكَانَ اعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ أَحَقُّ بِالِاعْتِبَارِ. وَإِنْ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى إلَّا أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا وَصْفًا فَالْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ ذَاتًا، وَالْوَصْفُ يَتْبَعُهُ: أَيْ يَتْبَعُ الذَّاتَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ لَا يَنْعَقِدُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ أَحْمَرُ فَإِذَا هُوَ أَخْضَرُ يَنْعَقِدُ لِاتِّحَادِهِ، وَالشَّأْنُ فِي التَّخْرِيجِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ؛ فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: الْحُرُّ مَعَ الْعَبْدِ وَالْخَلُّ مَعَ الْخَمْرِ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ فِي حَقِّ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ يَصْلُحُ صَدَاقًا وَالْآخَرُ لَا، فَالْحُكْمُ حِينَئِذٍ بِالْمُسَمَّى وَكَأَنَّ الْإِشَارَةَ تُبَيِّنُ وَصْفَهُ كَأَنَّهُ قَالَ: عَبْدٌ كَهَذَا الْحُرِّ وَخَلٌّ كَهَذَا الْخَمْرِ. وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: الْعَبْدُ مَعَ الْحُرِّ جِنْسٌ وَاحِدٌ، إذْ مَعْنَى الذَّاتِ لَا يَفْتَرِقُ فِيهِمَا، فَإِنَّ مَنْفَعَتَهُمَا تَحْصُلُ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا لَمْ يَتَبَدَّلْ مَعْنَى الذَّاتِ اُعْتُبِرَ جِنْسًا وَاحِدًا، فَالْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، أَمَّا الْخَلُّ مَعَ الْخَمْرِ فَجِنْسَانِ، إذْ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْخَمْرِ غَيْرُ الْمَطْلُوبِ مِنْ الْخَلِّ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: لَا تَأْخُذُ الذَّاتَانِ حُكْمَ الْجِنْسَيْنِ إلَّا بِتَبَدُّلِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى؛ لِأَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ مِنْ الْحَوَادِثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute