خِلَافِ جِنْسِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مِثْلُ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِتَابِعٍ لَهُ، وَالتَّسْمِيَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُعَرِّفُ الْمَاهِيَّةَ، وَالْإِشَارَةُ تُعَرِّفُ الذَّاتَ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ لَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ أَحْمَرُ فَإِذَا هُوَ أَخْضَرُ يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ. وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْعَبْدُ مَعَ الْحُرِّ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَنَافِعِ، وَالْخَمْرُ مَعَ الْخَلِّ جِنْسَانِ لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ.
(فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا حُرٌّ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْبَاقِي إذَا سَاوَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)
مَوْجُودٌ بِهَا، وَصُورَةُ الْخَلِّ وَالْخَمْرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَاحِدَةٌ فَاتَّحَدَ الْجِنْسُ، فَالْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ فِيهِمَا وَالْمُشَارُ إلَيْهِ غَيْرُ صَالِحٍ فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ اهـ.
وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ سَمَّى الْخَمْرَ خَلًّا وَالْحُرَّ عَبْدًا تَجَوُّزًا، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِالْمُرَادِ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ هَذِهِ الْكَلْبَةُ طَالِقٌ وَلِعَبْدِهِ هَذَا الْحِمَارُ حُرٌّ تَطْلُقُ وَيَعْتِقُ، فَظَهَرَ أَنْ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْأَصْلِ بَلْ فِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَاتِّحَادِهِ، فَلَزِمَ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْفِقْهِ مِنْ أَنَّ الْجِنْسَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالْأَحْكَامِ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْمُخْتَلِفِينَ بِالْمَقَاصِدِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الْمَقُولُ عَلَى مُتَّحِدِي الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى.
ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ اللَّائِقَ كَوْنُ الْجَوَابِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وُجُوبُ الْقِيمَةِ أَوْ عَبْدٍ وَسَطٍ؛ لِأَنَّ إلْغَاءَ الْإِشَارَةِ وَاعْتِبَارَ الْمُسَمَّى يُوجِبُ كَوْنَ الْحَاصِلِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ وَحُكْمُهُ مَا قُلْنَا، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَكْسِ مَا ذَكَرْنَا: أَيْ عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَمْرِ فَإِذَا هُوَ خَلٌّ، أَوْ عَلَى هَذَا الْحُرِّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ، أَوْ عَلَى هَذِهِ الْمَيْتَةِ فَإِذَا هِيَ ذَكِيَّةٌ، فَلَهَا الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ رُوِيَ عَنْهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَقَدْ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ. وَبِالْأَصَحِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: فَأَوْجَبَ الذَّكِيَّةَ وَمَا مَعَهَا، وَأَوْجَبَ مُحَمَّدٌ الْمُذَكَّاةَ وَمَهْرَ الْمِثْلِ فِي الْخَمْرِ فَمَرَّ عَلَى أَصْلِهِ، وَأَبُو يُوسُفَ خَالَفَ أَصْلَهُ وَاعْتَذَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالتَّسْمِيَةِ، وَصَحَّتْ إحْدَاهُمَا وَبَطَلَتْ الْأُخْرَى، فَاعْتُبِرَتْ الصِّحَّةُ وَصَارَتْ الْأُخْرَى كَأَنْ لَمْ تَكُنْ. وَكَذَا خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ لَهُ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ بِوُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ يَقُولُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا الْإِشَارَةَ هُنَاكَ لِتَجِبَ، وَلَوْ اعْتَبَرْنَاهَا هُنَا لَا يَجِبُ فَلَا تُعْتَبَرُ لِيَجِبَ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا حُرٌّ فَلَيْسَ لَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا الْبَاقِي إذَا سَاوَى عَشْرَةً) فَإِنْ لَمْ يُسَاوِ عَشْرَةً كَمُلَتْ الْعَشَرَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute