وَيَمْلِكُ قَبْضَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ، فَلَوْ صَحَّ الضَّمَانُ يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ وَوِلَايَةُ قَبْضِ الْمَهْرِ لِلْأَبِ بِحُكْمِ الْأُبُوَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَاقِدٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ بَعْدَ بُلُوغِهَا فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ.
قَالَ (وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى تَأْخُذَ الْمَهْرَ وَتَمْنَعَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا) أَيْ يُسَافِرَ بِهَا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الزَّوْجِ فِي الْمُبْدَلِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ السَّفَرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ وَزِيَارَةِ أَهْلِهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا الْمَهْرَ كُلَّهُ: أَيْ الْمُعَجَّلُ مِنْهُ
الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَوِلَايَةُ قَبْضِ الْمَهْرِ لِلْأَبِ بِحُكْمِ الْأُبُوَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَاقِدٌ)؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ وَلِذَا لَا يَمْلِكُ قَبْضَهُ بَعْدَ بُلُوغِهَا إذَا نَهَتْهُ صَرِيحًا، أَمَّا إذَا لَمْ تَنْهَهُ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ لَهُ الْقَبْضَ بَعْدَ بُلُوغِهِ دُونَ الصَّبِيِّ. ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُ الزَّوْجَةِ لِقَبْضِ الْأَبِ مَهْرَهَا عِنْدَنَا، خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ. وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ لَا يُشْتَرَطُ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا. وَقَدَّمْنَا فِي قَبْضِ مَهْرِ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ فُرُوعًا اسْتَوْفَيْنَاهَا فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ فَارْجِعْ إلَيْهَا، وَمِمَّا لَمْ نَذْكُرْهُ هُنَاكَ لَوْ قَبَضَ الْأَبُ الْمَهْرَ ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى الزَّوْجِ، إنْ كَانَتْ بِكْرًا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْقَبْضِ وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا صُدِّقَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لَيْسَ لَهُ، فَإِذَا قَبَضَ بِأَمْرِ الزَّوْجِ كَانَتْ أَمَانَةً عِنْدَهُ مِنْ الزَّوْجِ فَتُقْبَلُ دَعْوَاهُ الرَّدَّ كَالْمُودِعِ إذَا قَالَ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ
(قَوْلُهُ وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنْ الدُّخُولِ بِهَا وَمِنْ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا مُعَجَّلَ مَهْرِهَا لِيَتَعَيَّن حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي الْمُبْدَلِ) يَعْنِي وَلَا يَتَعَيَّنُ حَقُّهَا إلَّا بِالتَّسْلِيمِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الصَّدَاقِ الدَّيْنِ، أَمَّا الْعَيْنُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَلَا؛ لِأَنَّهَا بِالْعَقْدِ مَلَكَتْهُ وَتَعَيَّنَ حَقُّهَا فِيهِ حَتَّى مَلَكَتْ عِتْقَهُ. وَقَوْلُهُ (أَيْ الْمُعَجَّلُ مِنْهُ) يَتَنَاوَلُ الْمُعَجَّلَ عُرْفًا وَشَرْطًا، فَإِنْ كَانَ قَدْ شَرَطَ تَعْجِيلَ كُلِّهِ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ فَبَعْضَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ تَعْجِيلَ شَيْءٍ بَلْ سَكَتُوا عَنْ تَعْجِيلِهِ وَتَأْجِيلِهِ، فَإِنْ كَانَ عُرْفٌ فِي تَعْجِيلِ بَعْضِهِ وَتَأْخِيرِ بَاقِيهِ إلَى الْمَوْتِ أَوْ الْمَيْسَرَةِ أَوْ الطَّلَاقِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْتَبِسَ إلَّا إلَى تَسْلِيمِ ذَلِكَ الْقَدْرِ. قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنُوا قَدْرَ الْمُعَجَّلِ يُنْظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ وَإِلَى الْمَهْرِ أَنَّهُ كَمْ يَكُونُ الْمُعَجَّلُ لِمِثْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْمَهْرِ فَيُعَجَّلُ ذَلِكَ وَلَا يَتَقَدَّرُ بِالرُّبْعِ وَالْخُمُسِ بَلْ يُعْتَبَرُ الْمُتَعَارَفُ فَإِنَّ الثَّابِتَ عُرْفًا كَالثَّابِتِ شَرْطًا، بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ تَعْجِيلَ الْكُلِّ إذْ لَا عِبْرَةَ بِالْعُرْفِ إذَا جَاءَ الصَّرِيحُ بِخِلَافِهِ، وَمِثْلُ هَذَا فِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ، فَمَا وَقَعَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ يَعْنِي الْمَهْرَ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ أَوْ مَسْكُوتًا عَنْهُ يَجِبُ حَالًّا، وَلَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا الْمَهْرَ لَيْسَ بِوَاقِعٍ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمَسْكُوتِ الْعُرْفُ. هَذَا وَلِلْأَبِ أَنْ يُسَافِرَ بِالْبِكْرِ قَبْلَ إيفَائِهِ. فِي الْفَتَاوَى: رَجُلٌ زَوَّجَ بِنْتَهُ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ بِعِيَالِهِ فَلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute