لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ، وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ قَبْلَ الْإِيفَاءِ، وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا بِالتَّأْجِيلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ.
أَنْ يَحْمِلَهَا مَعَهُ وَإِنْ كَرِهَ الزَّوْجُ، فَإِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا.
(قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ) كُلٌّ مِنْ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ وَعَلَيْهِ إيفَاءٌ، فَكَمَا أَنَّ لَهُ اسْتِيفَاءَ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَعَلَيْهِ إيفَاءُ الْمَهْرِ كَذَلِكَ لَهَا اسْتِيفَاءُ الْمَهْرِ وَعَلَيْهَا إيفَاءُ مَنَافِعِ بُضْعِهَا، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُقْلَبُ هَذَا الدَّلِيلُ فَيُقَالُ: لَيْسَ لَهَا حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْمَهْرِ قَبْلَ إيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا وَقَعَ فِي تَعْلِيلِ حَبْسِهِ إيَّاهَا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ لَهُ لِلِاسْتِيفَاءِ فَعَلَى هَذَا كُلٌّ مِنْهُمَا لَوْ طُولِبَ بِإِيفَاءِ مَا عَلَيْهِ كَانَ لَهُ الِامْتِنَاعُ إلَى اسْتِيفَاءِ مَالِهِ وَيَسْتَلْزِمُ تَمَانُعَ الْحُقُوقِ وَفَوَاتَ الْمَقْصُودِ، مَثَلًا لَوْ طَالَبَهَا بِإِيفَاءِ الدُّخُولِ فَقَالَتْ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ الْمَهْرَ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَا أُوَفِّيهِ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مَنَافِعَ الْبُضْعِ وَهِيَ تَقُولُ مِثْلَهُ لَزِمَ مَا ذَكَرْنَا. وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ بَعْدَ الْإِلْحَاقِ بِالْبَيْعِ وَأَنَّ الْبُضْعَ كَالْمَبِيعِ وَالْمَهْرَ كَالثَّمَنِ لَكِنَّكَ عَلِمْت أَنَّ فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِامْتِنَاعُ فَيُقَالُ لَهُمَا: سَلِّمَا مَعًا، وَمِثْلُهُ لَا يَتَأَتَّى فِي النِّكَاحِ إذَا كَانَ الْمَهْرُ عَبْدًا مُعَيَّنًا مَثَلًا وَلَا فِي مَعِيَّةِ الْخَلْوَةِ لِإِطْلَاقِ الْجَوَابِ بِأَنَّ لَهَا الِامْتِنَاعَ إلَى أَنْ تَقْبِضَ. هَذَا وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ صَغِيرَةً فَلِلْوَلِيِّ مَنْعُهَا عَنْ الزَّوْجِ إلَى أَنْ يُعْطِيَ الْمَهْرَ، وَلَوْ زَوَّجَهَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ كَالْعَمِّ وَهِيَ صَغِيرَةٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى الزَّوْجِ قَبْلَ قَبْضِ الصَّدَاقِ وَيَقْبِضُهُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَبْضِ، فَإِنْ سَلَّمَهَا فَالتَّسْلِيمُ فَاسِدٌ وَتُرَدُّ إلَى بَيْتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَمِّ وِلَايَةُ إبْطَالِ حَقِّهَا، كَذَا فِي التَّجْنِيسِ فِي رَمْزِ وَاقِعَاتِ النَّاطِفِي. وَلَوْ ذَهَبَتْ الصَّغِيرَةُ إلَى بَيْتِهِ بِنَفْسِهَا كَانَ لِمَنْ كَانَ أَحَقَّ بِإِمْسَاكِهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ أَنْ يَمْنَعَهَا حَتَّى يُعْطِيَهُ وَيَقْبِضَهُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَقَّ ثَابِتٌ لِلصَّغِيرَةِ وَلَيْسَتْ هِيَ مِنْ أَهْلِ الرِّضَا.
[فَرْعٌ]
إذَا كَانَ يَسْكُنُ فِي بَيْتِ الْغَصْبِ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ الذَّهَابِ إلَيْهِ فِيهِ وَلَا تَسْقُطُ بِهِ نَفَقَتُهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا) مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ قَلِيلَةَ الْجَهَالَةِ كَالْحَصَادِ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ، وَبِخِلَافِ الْمُتَفَاحِشَةِ كَإِلَى مَيْسَرَةٍ وَهُبُوبِ الرِّيحِ حَيْثُ يَكُونُ الْمَهْرُ حَالًّا (لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا) قَبْلَ الْحُلُولِ وَلَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ مَا أَوْجَبَ لَهَا حَقَّ الْحَبْسِ فَلَا يَثْبُتُ بَعْدَهُ، وَكَذَا لَوْ أَجَّلَتْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ مُدَّةً مَعْلُومَةً (لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا بِالتَّأْجِيلِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute