فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا. وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الدُّخُولُ بِرِضَاهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ كَانَتْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْحَبْسِ بِالِاتِّفَاقِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخَلْوَةُ بِهَا بِرِضَاهَا. وَيَبْتَنِي عَلَى هَذَا اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ. لَهُمَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ كُلَّهُ قَدْ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِالْوَطْأَةِ الْوَاحِدَةِ وَبِالْخَلْوَةِ، وَلِهَذَا يَتَأَكَّدُ بِهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ فَلَمْ يَبْقَ لَهَا حَقُّ الْحَبْسِ، كَالْبَائِعِ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ. وَلَهُ أَنَّهَا مَنَعَتْ مِنْهُ مَا قَابَلَ الْبَدَلَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَطْأَةٍ تُصْرَفُ فِي الْبُضْعِ الْمُحْتَرَمِ فَلَا يُخْلَى عَنْ الْعِوَضِ إبَانَةً لِخَطَرِهِ، وَالتَّأْكِيدُ بِالْوَاحِدَةِ لِجَهَالَةِ مَا وَرَاءَهَا فَلَا يَصْلُحُ مُزَاحِمًا لِلْمَعْلُومِ. ثُمَّ إذَا وُجِدَ آخَرُ وَصَارَ مَعْلُومًا تَحَقَّقَتْ الْمُزَاحَمَةُ وَصَارَ الْمَهْرُ مُقَابَلًا بِالْكُلِّ، كَالْعَبْدِ إذَا جَنَى جِنَايَةً يَدْفَعُ كُلَّهُ بِهَا، ثُمَّ إذَا جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى وَأُخْرَى يَدْفَعُ بِجَمِيعِهَا، وَإِذَا أَوْفَاهَا مَهْرَهَا
كَمَا فِي الْبَيْعِ إذَا أُجِّلَ الثَّمَنُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُ الْمَبِيعِ إلَى غَايَةِ الْقَبْضِ (وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ) فِيمَا رَوَاهُ الْمُعَلَّى عَنْهُ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ النِّكَاحِ تَسْلِيمُ الْمَهْرِ أَوَّلًا، فَلَمَّا رَضِيَ بِتَأْجِيلِهِ كَانَ رَاضِيًا بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ لِعِلْمِهِ بِمُوجِبِ الْعَقْدِ. بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ أَوَّلًا لَيْسَ مِنْ مُوجِبَاتِهِ كَمَا فِي الْمُقَايَضَةِ.
وَاخْتَارَ الْوَلْوَالِجِيُّ الْفَتْوَى بِهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الدُّخُولَ فِي الْعَقْدِ قَبْلَ الْحُلُولِ، فَإِنْ شَرَطَهُ فَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا) قَبْلَ الْإِيفَاءِ رَاضِيَةً وَهِيَ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا (فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀) أَيْ لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا حَتَّى تَسْتَوْفِيَ الْمَهْرَ خِلَافًا لَهُمَا. وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بِهَا كَارِهَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً فَبَلَغَتْ وَصَحَّتْ وَزَالَ الْإِكْرَاهُ يَكُونُ لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا بَعْدَهُ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخَلْوَةُ بِهَا بِرِضَاهَا) لَا تُسْقِطُ حَقَّهَا فِي حَبْسِ نَفْسِهَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا (قَوْلُهُ وَإِذَا أَوْفَاهَا مَهْرَهَا) أَوْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute