للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ أَلْيَقُ بِحَالِ الْعَبْدِ الْمُتَمَرِّدِ أَوْ هُوَ أَدْنَى فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى (وَإِنْ قَالَ: طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً تَمْلِكْ الرَّجْعَةَ فَهُوَ إجَازَةٌ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَتَتَعَيَّنُ الْإِجَازَةُ.

وَطَوْرًا دَلَالَةً، فَالصَّرِيحُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ رَضِيت أَوْ أَجَزْت أَوْ أَذِنْت، وَالدَّلَالَةُ أَنْ يَسُوقَ إلَيْهَا الْمَهْرَ أَوْ بَعْضَهُ، وَسُكُوتُهُ لَا يَكُونُ إجَازَةً وَثَمَّ أَلْفَاظٌ اُخْتُلِفَ فِيهَا وَأَلْفَاظٌ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِهَا؛ فَمِثْلُ قَوْلِهِ هَذَا حَسَنٌ أَوْ صَوَابٌ أَوْ نِعْمَ مَا صَنَعْت أَوْ بَارَكَ اللَّهُ لَك فِيهَا أَوْ أَحْسَنْت أَوْ أَصَبْت أَوْ لَا بَأْسَ بِهَا اُخْتُلِفَ فِيهَا. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو الْقَاسِمِ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا إجَازَةً. وَاخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ إجَازَةٌ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً.

إذَا عُرِفَ هَذَا فَمَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ طَلِّقْهَا لَا شَكَّ أَنَّ مُقْتَضَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ فِيهَا الْإِجَازَةُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الصَّحِيحَ فَرْعُ وُجُودِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، لَكِنْ قَدْ صُرِفَ عَنْ مُقْتَضَاهُ بِالنَّظَرِ إلَى حَالِ الْعَبْدِ، وَذَلِكَ أَنَّ افْتِيَاتَ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ تَمَرُّدٌ بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِ تَعْيِيبِهِ عَلَيْهِ يَسْتَوْجِبُ بِهِ زَجْرَهُ وَبِهِ فَارَقَ الْفُضُولِيَّ الْمَحْضَ فَإِنَّهُ مُعِينٌ وَالْإِعَانَةُ تَنْتَهِضُ سَبَبًا لِإِمْضَاءِ تَصَرُّفِهِ وَعَدَمِ إلْغَائِهِ، وَلِذَا لَوْ قَالَ لِلْفُضُولِيِّ طَلِّقْهَا كَانَ إجَازَةً عَلَى مَا هُوَ الْأَوْجَهُ، وَإِنْ قُلْنَا أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعَبْدِ أَنَّهُ فُضُولِيٌّ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِذَا كَانَ حَالُ الْعَبْدِ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ لَفْظُ السَّيِّدِ لَهُ عِنْدَ عِلْمِهِ بِمَا صَنَعَ يَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَالْإِجَازَةَ لِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِمَا كَانَ بِمُلَاحَظَةِ حَالِ الْعَبْدِ ظَاهِرًا فِي قَصْدِ الرَّدِّ مَا لَمْ يَعْلَمْ قَصْدَ الْإِجَارَةِ لِظَاهِرٍ يَقْتَرِنُ بِهِ أَوْ نَصٍّ آخَرَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً تَمْلِكُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ أَوْ أَوْقِعْ عَلَيْهَا الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ وَالطَّلَاقَ الَّذِي يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ بَعْدَهُ لَا يُقَالَانِ لِلْمُتَارَكَةِ وَلَا فِي قَصْدِ الِاسْتِهْزَاءِ فَيُفِيدُ قَصْدَ حَقِيقَتِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلِّقْهَا فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ لِمُتَارَكَةِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ طَلَاقٌ مَجَازًا فَصَلُحَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُتَمَسَّكًا لِأَبِي الْقَاسِمِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ الْمُجَرَّدِ يُسْتَعْمَلُ كَثِيرًا فِي الْمُتَارَكَةِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرَ لَفْظٍ مُشْتَرَكٍ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِعْمَالُ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَالرَّدِّ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَحْوِ أَحْسَنْت إلَخْ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ لِلْأَمْرَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ بَلْ الظَّاهِرُ مِنْهُ الْإِجَازَةُ وَحَمْلُهُ عَلَى الرَّدِّ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِوَاسِطَةِ جَعْلِهِ اسْتِهْزَاءً، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ إلَى حَالِ الْعَبْدِ لَا يُنَافِيهِ لَكِنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْعَاقِلِ الْمُسْلِمِ يَنْفِيهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ فِعْلُ الْجَاهِلِينَ، وَلِذَا قَالَ مُوسَى فِي جَوَابِ قَوْلِهِمْ ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾ …

...

﴿أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾.

فَتَعَارَضَ الظَّاهِرَانِ وَبَقِيَ نَفْسُ اللَّفْظِ بِمَفْهُومِهِ يُفِيدُ الْإِجَازَةَ بِلَا مُعَارِضٍ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّ نَفْسَ اللَّفْظِ يُقَالُ لِلرَّدِّ كَمَا يُقَالُ لِحَقِيقَةِ الطَّلَاقِ الْمُسْتَعْقِبِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَلِذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْ الْمُقَيَّدَ أَعْنِي قَوْلَهُ طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً تَمْلِكُ الرَّجْعَةَ عَلَيْهَا أَوْ أَوْقِعْ عَلَيْهَا الطَّلَاقَ فِي الْمُتَارَكَةِ جُعِلَ إجَازَةً فَوَجَبَ تَرْجِيحُ قَوْلِ الْفَقِيهِ وَمَنْ مَعَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ قَصْدَ الِاسْتِهْزَاءِ، لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا لَمْ يُوجِبْهُ إلَّا بِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَفَادَ أَنَّهُ يَثْبُتُ اقْتِضَاءً فَوَرَدَ عَلَيْهِ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ كَفِّرْ عَنْ يَمِينِك بِالْمَالِ أَوْ تَزَوَّجْ

<<  <  ج: ص:  >  >>