(وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ تَزَوَّجْ هَذِهِ الْأَمَةَ فَتَزَوَّجَهَا نِكَاحًا فَاسِدًا وَدَخَلَ بِهَا فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يُؤْخَذُ مِنْهُ إذَا عَتَقَ) وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِذْنَ بِالنِّكَاحِ يَنْتَظِمُ الْفَاسِدَ وَالْجَائِزَ عِنْدَهُ، فَيَكُونُ هَذَا الْمَهْرُ ظَاهِرًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى
أَرْبَعًا لَا يَعْتِقُ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ إثْبَاتَ الشَّرَائِطِ الَّتِي هِيَ أُصُولٌ لَا تَكُونُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ كَالْحُرِّيَّةِ وَالْأَهْلِيَّةِ لِلْمُتَحَقِّقِ بِالرِّقِّ وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ ثَابِتٌ لِلْعَبْدِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لِثُبُوتِهِ تَبَعًا لِلْآدَمِيَّةِ وَالْعَقْلِ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ لِاسْتِلْزَامِهِ تَغَيُّبَ مَالِ الْغَيْرِ، فَقَوْلُهُ طَلِّقْهَا رَجْعِيًّا يَتَضَمَّنُ رَفْعَ الْمَانِعِ اقْتِضَاءً لَا إثْبَاتَ مِلْكِ النِّكَاحِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَالْمَمْلُوكِيَّةُ شَرْطُ الْعِتْقِ.
وَقَوْلُهُ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِيَ بِأَلْفٍ يَثْبُتُ بِهِ تَحْوِيلُ الْمَمْلُوكِيَّةِ إلَيْهِ لَا أَصْلُهَا فِي الْعَبْدِ، وَمَمْلُوكِيَّتُهُ فِي الْعَبْدِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَمْلُوكِيَّتِهِ. وَعَلَى تَقْرِيرِنَا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَكَلُّفِ هَذَا السُّؤَالِ وَجَوَابِهِ. وَلَوْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَ لَا يَكُونُ إجَازَةً، فَإِنْ أَجَازَ الْعَبْدُ مَا صَنَعَ جَازَ اسْتِحْسَانًا كَالْفُضُولِيِّ إذَا وَكَّلَ فَأَجَازَ مَا صَنَعَهُ قَبْلَ الْوَكَالَةِ وَكَالْعَبْدِ إذَا زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ فَأَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي التَّزَوُّجِ فَأَجَازَ مَا صَنَعَهُ الْفُضُولِيُّ. وَلَوْ بَاعَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ بَعْدَ أَنْ بَاشَرَ بِلَا إذْنٍ فَلِلْمُشْتَرِي الْإِجَازَةُ. وَقَالَ زُفَرُ: يَبْطُلُ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ السَّيِّدُ فَوَرِثَ الْعَبْدُ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً فَتَزَوَّجَتْ بِلَا إذْنٍ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فَوَرِثَهَا مَنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بَطَلَ لِطَرَيَانِ الْحِلِّ النَّافِذِ عَلَى الْمَوْقُوفِ، وَإِنْ وَرِثَهَا مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا كَأَنْ وَرِثَهَا جَمَاعَةٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ ابْنُ الْمَوْلَى وَقَدْ كَانَ الْأَبُ وَطِئَهَا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ. وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِي أَمَةٍ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ فَبَاعَهَا الْمَوْلَى لِلْمُشْتَرِي الْإِجَازَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ وَطْءَ الزَّوْجِ يُحَرِّمُهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُعْتَدَّةً، فَإِذَا حَاضَتْ بَطَلَ الْعَقْدُ لِحِلِّهَا لِلْمُشْتَرِي، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ لَمْ يَطَأْهَا بَطَلَ الْعَقْدُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ لِطَرَيَانِ الْحِلِّ الْبَاتِّ عَلَى الْمَوْقُوفِ. وَقَالَ زُفَرُ: يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَبِالْبَيْعِ. وَأَصْلُهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى إجَازَةِ إنْسَانٍ يَحْتَمِلُ الْإِجَازَةَ مِنْ غَيْرِهِ، وَعِنْدَهُ لَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا يُفِيدُ مِنْ الثَّانِي. قُلْنَا: إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَلِكَ لَهُ لَا لِأَنَّهُ هُوَ وَالثَّانِي مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ دَائِرٌ مَعَ الْمِلْكِ فَيَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهِ
(قَوْلُهُ تَزَوَّجْ هَذِهِ الْأَمَةَ) التَّقْيِيدُ بِالْأَمَةِ وَالْإِشَارَةِ اتِّفَاقِيٌّ، فَإِنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ جَارٍ فِي الْحُرَّةِ وَغَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ.
(قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ) أَيْ أَصْلُ الْخِلَافِ الِاخْتِلَافُ فِي أَنَّ الْإِذْنَ لِلْعَبْدِ بِالنِّكَاحِ يَنْتَظِمُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَخُصُّ الصَّحِيحَ. وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْإِذْنَ بِالْبَيْعِ يَعُمُّ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ، وَعَلَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالنِّكَاحِ يَخْتَصُّ بِالصَّحِيحِ فَأَلْحَقَاهُ بِالتَّوْكِيلِ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْأَصْلِ تَحْصِيلُ الْمَقَاصِدِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ الْإِعْفَافِ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ بِالصَّحِيحِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ يَنْصَرِفُ إلَى الْجَائِزِ فَلَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْحَلِفُ عَلَى الْإِعْفَافِ وَذَلِكَ بِالصَّحِيحِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ مَا تَزَوَّجْت حَيْثُ يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْمَاضِي الْعَقْدُ، وَأَلْحَقَهُ بِالْبَيْعِ بِجَامِعِ أَنَّ بَعْضَ الْمَقَاصِدِ حَاصِلٌ مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ وَالنَّفَقَةِ، وَذَلِكَ يَكْفِي لِتَصْحِيحِ التَّعْمِيمِ وَإِجْرَاءِ اللَّفْظِ عَلَى إطْلَاقِهِ، فَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا أَنَّهُ يُبَاعُ فِي الْمَهْرِ فِي الْفَاسِدِ إذَا دَخَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute