عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِمَوْلَاهَا) اعْتِبَارًا بِمَوْتِهَا حَتْفَ أَنْفِهَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ: وَلَهُ أَنَّهُ مَنَعَ الْمُبْدَلَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيُجَازَى بِمَنْعِ الْبَدَلِ كَمَا إذَا ارْتَدَّتْ الْحُرَّةُ، وَالْقَتْلُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا جُعِلَ إتْلَافًا حَتَّى وَجَبَ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ فَكَذَا فِي حَقِّ الْمَهْرِ.
(وَإِنْ قَتَلَتْ حُرَّةٌ نَفْسَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا فَلَهَا الْمَهْرُ) خِلَافًا لِزُفَرَ، هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالرِّدَّةِ وَبِقَتْلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ وَالْجَامِعُ
الْمُكَاتَبَةُ وَفِي تَزْوِيجِ أَمَتِهِ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لَهُ، فَلَوْ قَتَلَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ سَقَطَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ الزَّوْجِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَوْلَى قَبَضَهُ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ. وَقَالَا: لَا يَسْقُطُ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ سُقُوطِهِ بِقَتْلِهِ إيَّاهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَبِقَتْلِ أَجْنَبِيٍّ وَقَتْلِ الْمَوْلَى زَوْجَهَا وَمَوْتِهَا حَتْفَ أَنْفِهَا. لَهُمَا أَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ، وَلَوْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا لَمْ يَسْقُطْ بَلْ يَتَقَرَّرُ بِالْمَوْتِ إذْ بِهِ يَنْتَهِي الْعَقْدُ وَبِانْتِهَاءِ الْعَقْدِ يَتَقَرَّرُ الْبَدَلُ فَلَا يَسْقُطُ بِقَتْلِهِ إيَّاهَا بَعْدَ لُزُومِهِ كَقَتْلِ الْأَجْنَبِيِّ إيَّاهَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَنَعَ الْمُبْدَلَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فَيُجَازَى بِمَنْعِ الْبَدَلِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمُجَازَاةِ كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ الْحُرَّةُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ قَبَّلَتْ ابْنَ الزَّوْجِ.
وَالْقَتْلُ وَإِنْ كَانَ مَوْتًا لَكِنَّهُ جُعِلَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا إتْلَافًا حَتَّى وَجَبَ بِهِ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ وَالضَّمَانُ فِيمَا لَوْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَحَلَّهَا لَهُ وَقَدْ ثَبَتَتْ أَحْكَامُهُ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى حَتَّى لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ الدِّيَةُ وَالْقَوَدُ لِلِاسْتِحَالَةِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ رَهْنًا عِنْدَ إنْسَانٍ فَقَتَلَهَا سَيِّدُهَا الرَّاهِنُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا لَهُ؛ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمُجَازَاةِ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا زَوَّجَ أَمَتَهُ وَصِيَّهُ مَثَلًا قَالُوا يَجِبُ أَنْ لَا يَسْقُطَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، بِخِلَافِ الْحُرَّةِ الصَّغِيرَةِ إذَا ارْتَدَّتْ يَسْقُطُ مَهْرُهَا؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ الْعَاقِلَةَ مِنْ أَهْلِ الْمُجَازَاةِ عَلَى الرِّدَّةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُحْظَرْ عَلَيْهَا وَالرِّدَّةُ مَحْظُورَةٌ عَلَيْهَا. أَمَّا الْأَمَةُ فَلَا رِوَايَةَ فِي رِدَّتِهَا. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قِيلَ لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ وَهُوَ الْمُسْقِطُ لَمْ يَجِئْ مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ وَهُوَ الْمَوْلَى، وَقِيلَ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ أَوَّلًا لَهَا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْلَى بَعْدَ الْفَرَاغِ عَنْ حَاجَتِهَا حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ يُصْرَفُ إلَيْهِ. وَحَاصِلُ الْخِلَافِ الِاخْتِلَافُ فِي وُجُودِ سَبَبِ السُّقُوطِ فَعِنْدَهُ وُجِدَ وَعِنْدَهُمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فَبَقِيَ وُجُوبُهُ السَّابِقُ عَلَى حَالِهِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَتْ حُرَّةٌ نَفْسَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) يَسْتَحِقُّهُ وَرَثَتُهَا (خِلَافًا لِزُفَرَ) وَلَمْ يُحْكَ خِلَافُ زُفَرَ فِي الْمَبْسُوطِ بَلْ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلٌ لَهُ، وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ بِالسُّقُوطِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِالْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ فِي قَتْلِ الْأَمَةِ نَفْسَهَا رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَسْقُطُ كَالْحُرَّةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ لِمَوْلَاهَا لَا لَهَا وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْ مَنْعَ الْبَدَلِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَقَوْلُ مَالِكٍ وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَفِي رِوَايَةٍ يَسْقُطُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَمْلُوكِ يُضَافُ إلَى مَالِكِهِ فِي مُوجَبِهِ، وَلِذَا لَوْ قَتَلَتْ غَيْرَهَا كَانَ الْمُخَاطَبُ بِدَفْعِهَا أَوْ فِدَائِهَا الْمَوْلَى فَكَانَ فِي الْحُكْمِ كَقَتْلِ الْمَوْلَى لَهَا، وَالْأَوْجَهُ مَا ذُكِرَ فِي وَجْهِ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي رِدَّتِهَا بِالسُّقُوطِ وَهُوَ أَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ أَوَّلًا لَهَا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْلَى. وَفَائِدَةُ الْأَوَّلِيَّةِ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ قُضِيَ وَلَمْ يُعْطَ الْمَوْلَى إلَّا مَا فَضَلَ. لِزُفَرَ الْقِيَاسُ عَلَى رِدَّتِهَا الِاتِّفَاقِيَّةِ وَقَتْلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ (وَالْجَامِعُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute