مَا بَيَّنَّاهُ. وَلَنَا أَنَّ جِنَايَةَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَشَابَهَ مَوْتَهَا حَتْفَ أَنْفِهَا، بِخِلَافِ قَتْلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا حَتَّى تَجِبَ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ. .
قَالَ (وَإِذَا تَزَوَّجَ أَمَةً فَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ إلَى الْمَوْلَى) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِذْنَ فِي الْعَزْلِ إلَيْهَا لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقُّهَا حَتَّى تَثْبُتَ لَهَا وِلَايَةُ
بَيْنَ الْمَقِيسِ وَهُوَ قَتْلُهَا نَفْسَهَا وَالْمَقِيسُ عَلَيْهِ وَهُوَ رِدَّتُهَا (مَا بَيَّنَّا) مِنْ مَنْعِ الْمُبْدَلِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ.
وَلَنَا أَنَّ جِنَايَةَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ هَدَرٌ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا إنَّمَا يُؤَاخَذُ بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَلِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ فِي قَاتِلِ نَفْسِهِ، إنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَمْ يَعْتَبِرَاهُ بَاغِيًا عَلَى نَفْسِهِ، بِخِلَافِ رِدَّتِهَا فَإِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا حَتَّى حُبِسَتْ بِهَا وَعُزِّرَتْ وَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا فَيَسْقُطُ بِهَا الْمَهْرُ، بِخِلَافِ قَتْلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَلَوْ سُلِّمَ فَقَتْلُهَا نَفْسَهَا تَفْوِيتٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِالْمَوْتِ صَارَ الْمَهْرُ لِلْوَرَثَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِفِعْلِهَا حَقُّ غَيْرِهَا، أَمَّا الْأَمَةُ فَمَهْرُهَا مِلْكُ الْمَوْلَى فَكَأَنَّهُ فَعَلَهُ إبْطَالًا لِحَقِّ نَفْسِهِ وَهُوَ يَمْلِكُهُ، كَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ اُقْتُلْ عَبْدِي فَقَتَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَلَوْ قَالَ الْحُرُّ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ كَانَ عَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ مُبْطِلٌ لِحَقِّ نَفْسِهِ، وَفِي الثَّانِي مُبْطِلٌ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ. وَاسْتَشْكَلَ بِالْحُرَّةِ يَقْتُلُهَا وَارِثُهَا لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ صَارَ مَحْرُومًا بِالْقَتْلِ فَلَمْ يَكُنْ بِالْقَتْلِ مُبْطِلًا حَقَّ نَفْسِهِ فِي الْمَهْرِ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ أَمَةً فَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ إلَى الْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) الْعَزْلُ جَائِزٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَكَرِهَهُ قَوْمٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ لِمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ عَنْ جُدَامَةَ بِنْتَ وَهْبٍ أُخْتِ عُكَّاشَةَ قَالَتْ «حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي أُنَاسٍ فَسَأَلُوهُ عَنْ الْعَزْلِ؛ قَالَ: ذَاكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ» وَكَذَا ذَكَرَ شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زُرْعَةَ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " أَنَّهُ قَالَ هُوَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى " وَصَحَّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ: مَا كُنْت أَرَى مُسْلِمًا يَفْعَلُهُ، وَقَالَ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: ضَرَبَ عُمَرُ عَلَى الْعَزْلِ بَعْضَ بَنِيهِ.
وَعَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا: كَانَا يَنْهَيَانِ عَنْ الْعَزْلِ. وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ " كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ " وَفِي مُسْلِمٍ عَنْهُ: «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَلَمْ يَنْهَنَا» وَفِي السُّنَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي جَارِيَةً وَأَنَا أَعْزِلُ عَنْهَا وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ وَأَنَا أُرِيدُ مَا يُرِيدُ الرِّجَالُ، وَإِنَّ الْيَهُودَ تُحَدِّثُ أَنَّ الْعَزْلَ هُوَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى، قَالَ: كَذَبَتْ يَهُودُ، لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهُ مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصْرِفَهُ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: إنَّ عِنْدِي جَارِيَةً وَأَنَا أَعْزِلُ عَنْهَا، فَقَالَ ﷺ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ شَيْئًا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ: فَجَاءَ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الْجَارِيَةَ الَّتِي كُنْتُ ذَكَرْتُهَا لَكَ قَدْ حَمَلَتْ، فَقَالَ ﷺ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute