للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الصَّحِيحِ إلَّا أَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ تُنَافِي بَقَاءَ النِّكَاحِ فَيُفَرَّقُ، بِخِلَافِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُنَافِيهِ، ثُمَّ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا لَا يُفَرَّقُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ أَحَدِهِمَا لَا يَبْطُلُ بِمُرَافَعَةِ صَاحِبِهِ إذْ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ اعْتِقَادُهُ، وَأَمَّا اعْتِقَادُ الْمُصِرِّ لَا يُعَارِضُ إسْلَامَ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، وَلَوْ تَرَافَعَا يُفَرَّقُ بِالْإِجْمَاعِ

أَهْلَ الذِّمَّةِ الْتَزَمُوا الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَهَذِهِ الْأَنْكِحَةُ مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهَا فَيَلْزَمُ حُكْمُهَا، وَعَلَى مَا حَقَّقْنَا مِنْ أَنَّ الْكُفَّارَ إمَّا مُخَاطَبُونَ بِالْكُلِّ كَقَوْلِ الْعِرَاقِيِّينَ أَوْ بِالْمُعَامَلَاتِ كَقَوْلِ الْبُخَارِيِّينَ يَجِبُ الِاتِّفَاقُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنَّ لَهُ حُكْمَ الْبُطْلَانِ بِاعْتِبَارِ شُيُوعِ خِطَابَاتِ الْأَحْكَامِ فِي دَارِنَا فَتُجْعَلُ نَازِلَةً فِي حَقِّهِمْ، إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْمُبَلِّغِ سِوَى إشَاعَتِهِ دُونَ أَنْ يُوصِلَهُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ، غَيْرَ أَنَّا تَرَكْنَاهُمْ وَمَا يَدِينُونَ بِأَمْرِ الشَّرْعِ، فَإِذَا أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ التَّفْرِيقُ.

وَأَمَّا عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَأَتْبَاعُهُ وَجَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ الصَّحِيحَ مِنْ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الصِّحَّةِ عِنْدَهُ حَتَّى تَجِبَ النَّفَقَةُ إذَا طُلِبَتْ وَلَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ، حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ فَقَذَفَهُ إنْسَانٌ يُحَدُّ خِلَافًا لِمَشَايِخِ الْعِرَاقِ الْقُدُورِيِّ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُمْ لَا يُوجِبُونَ النَّفَقَةَ وَالْإِحْصَانَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ غَيْرُ نَازِلٍ فِي حَقِّهِمْ لِإِنْكَارِهِمْ مَعَ عَدَمِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ، فَلِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ تُنَافِي الْبَقَاءَ كَمَا تُنَافِي الِابْتِدَاءَ لِكَوْنِهَا عَدَمَ الْمَحَلِّ؛ وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ هَذَا كُلَّهُ خِلَافُ مُقْتَضَى النَّظَرِ كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْوَجْهُ الْمُخْتَارُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الْحَرْبِيَّيْنِ لِعَدَمِ شُيُوعِ الْخِطَابِ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَبْلُغُهُمْ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي حَقِّهِمْ فَيَجِبُ التَّعْلِيلُ بِمُنَافَاةِ الْمَحْرَمِيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا إذَا تَرَافَعَا فَعَلَى الِاعْتِبَارَيْنِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَالْقَاضِي كَالْمُحَكِّمِ. وَأَمَّا بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا فَقَالَا كَذَلِكَ يُفَرَّقُ كَإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا لِلْفَرْقِ بَيْنَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا وَرَفْعِهِ؛ لِأَنَّ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا ظَهَرَتْ حُرْمَةُ الْآخَرِ عَلَيْهِ لِتَغَيُّرِ اعْتِقَادِهِ (وَاعْتِقَادُ الْمُصِرِّ لَا يُعَارِضُ إسْلَامَ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى) بِخِلَافِ مُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا وَرِضَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ اعْتِقَادُ الْآخَرِ فَبَقِيَ الْأَمْرُ الشَّرْعِيُّ بِعَدَمِ التَّعَرُّضِ لَهُ بِلَا مُعَارِضٍ.

وَالْأَوْجَهُ تَخْرِيجُ الْخِلَافِ فِي مُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ حِينَ صَدَرَ كَانَ بَاطِلًا عِنْدَهُمَا، لَكِنْ تُرِكَ التَّعَرُّضُ لِلْوَفَاءِ بِالذِّمَّةِ فَإِذَا انْقَادَ أَحَدُهُمَا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ كَانَ كَإِسْلَامِهِ وَعِنْدَهُ كَانَ صَحِيحًا، وَرَفْعُ أَحَدِهِمَا لَا يُرَجِّحُهُ عَلَى الْآخَرِ فِي إبْطَالِ اسْتِحْقَاقِهِ بَلْ يُعَارِضُهُ الْآخَرُ فَيَبْقَى الْحُكْمُ عَلَى الصِّحَّةِ، هَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَوْ الْمُرَافَعَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا فَلَا تَفْرِيقَ إلَّا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ فِي الذِّمِّيِّينَ أَنَّهُ يُفَرَّقَ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ. لِمَا رُوِيَ: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>