للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التَّحْرِيمُ إلَّا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ، لِقَوْلِهِ : «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ وَلَا الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ».

أَدْخَلَتْ الْحَلَمَةَ فِي فَمِ الصَّغِيرِ وَشَكَّتْ فِي الِارْتِضَاعِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِالشَّكِّ، وَهُوَ كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ صَبِيَّةً أَرْضَعَتْهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَرْيَةٍ وَلَا يَدْرِي مَنْ هِيَ فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَانِعُ مِنْ خُصُوصِيَّةِ امْرَأَةٍ، وَالْوَاجِبُ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ لَا يُرْضِعْنَ كُلَّ صَبِيٍّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَإِذَا أَرْضَعْنَ فَلْيَحْفَظْنَ ذَلِكَ وَيُشْهِرْنَهُ وَيَكْتُبْنَهُ احْتِيَاطًا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ إلَّا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ مُشْبِعَاتٍ فِي خَمْسَةِ أَوْقَاتٍ مُتَفَاصِلَةٍ عُرْفًا. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَقَوْلِنَا وَكَقَوْلِهِ لِقَوْلِهِ «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ» الْحَدِيثَ.

رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثَيْنِ صَدَّرَهُ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَنَّهُ قَالَ «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ» وَآخِرُهُ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ «دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ فِي بَيْتِي فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كَانَتْ لِي امْرَأَةٌ فَتَزَوَّجْتُ عَلَيْهَا أُخْرَى، فَزَعَمَتْ امْرَأَتِي الْأُولَى أَنَّهَا أَرْضَعَتْ الْحُدْثَى رَضْعَةً أَوْ رَضْعَتَيْنِ، فَقَالَ : لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَانِ» وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ حَدِيثًا وَاحِدًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ وَلَا الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَانِ» فَقَوْلُ شَارِحٍ فِي قَوْلِهِ «وَلَا الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَانِ» إنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَالْإِمْلَاجَةُ: الْإِرْضَاعَةُ، وَالتَّاءُ لِلْوَحْدَةِ، وَالْإِمْلَاجُ: الْإِرْضَاعُ، وَأَمْلَجَتْهُ أَرْضَعَتْهُ، وَمَلَجَ هُوَ أُمَّهُ: رَضَعَهَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصْلُحُ لِإِثْبَاتِ مَذْهَبِهِ، وَقِيلَ يُمْكِنُ أَنْ يُثْبِتَ بِهِ مَذْهَبَهُ بِطَرِيقٍ هُوَ أَنَّ الْمَصَّةَ دَاخِلَةٌ فِي الْمَصَّتَيْنِ فَحَاصِلُهُ لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّتَانِ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ، فَنُفِيَ التَّحْرِيمُ عَنْ أَرْبَعٍ فَلَزِمَ أَنْ يَثْبُتَ بِخَمْسٍ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ.

أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَذْهَبَهُ لَيْسَ التَّحْرِيمُ بِخَمْسِ مَصَّاتٍ بَلْ بِخَمْسٍ مُشْبِعَاتٍ فِي أَوْقَاتٍ، وَأَمَّا ثَانِيًا؛ فَلِأَنَّ الْمَصَّةَ غَيْرُ الْإِمْلَاجَةِ، فَإِنَّ الْمَصَّةَ فِعْلُ الرَّضِيعِ، وَالْإِمْلَاجَةُ الْإِرْضَاعَةُ فِعْلُ الْمُرْضِعَةِ.

فَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّهُ نَفَى كَوْنَ الْفِعْلَيْنِ مُحَرَّمَيْنِ مِنْهُ وَمِنْهَا، وَعَلَى هَذَا فَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى حَدِيثًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْإِمْلَاجَ لَيْسَ حَقِيقَةَ الْمُحَرَّمِ بَلْ لَازِمَهُ مِنْ الِارْتِضَاعِ، فَنَفْيُ تَحْرِيمِ الْإِمْلَاجِ نَفْيُ تَحْرِيمِ لَازِمِهِ، فَلَيْسَ الْحَاصِلُ مِنْ «لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَتَانِ» إلَّا لَا تُحَرِّمُ لَازِمَهُمَا: أَعْنِي الْمَصَّتَيْنِ فَلَوْ جُمِعَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ كَانَ الْحَاصِلُ لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّتَانِ فَلَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ أَنْ يُرَادَ إلَّا الْمَصَّتَانِ لَا الْأَرْبَعُ. فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ ذَكَرْت آنِفًا حَدِيثًا وَاحِدًا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ . قُلْت: يَجِبُ كَوْنُ الرَّاوِي وَهُوَ الزُّبَيْرُ أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَلْفَاظِهِ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْهُ فِي وَقْتَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ: قَالَ «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ» وَقَالَ أَيْضًا «لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ» وَقُبِلَ بِطَرِيقٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ نَافٍ لِمَذْهَبِنَا فَيَثْبُتُ بِهِ مَذْهَبُهُ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ بِالْفَصْلِ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَأَبُو عُبَيْدٍ وَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ، قَالُوا: الْمُحَرِّمُ ثَلَاثُ رَضَعَاتٍ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ لَا يُعْتَبَرَ قَوْلُهُمْ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِقُوَّةِ وَجْهِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَجْهِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي أَثْبَتَ بِهِ مَذْهَبَهُ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:

<<  <  ج: ص:  >  >>