للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِشُبْهَةِ الْبَعْضِيَّةِ وَاللَّبَنُ بَعْضُهَا لَا بَعْضُهُ. وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، وَالْحُرْمَةُ بِالنَّسَبِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَذَا بِالرَّضَاعِ. وَقَالَ لِعَائِشَةَ : «لِيَلِجْ عَلَيْكِ أَفْلَحُ فَإِنَّهُ عَمُّكِ مِنْ الرَّضَاعَةِ»

تَثْبُتُ مِنْهُ الْحُرْمَةُ خَاصَّةً، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَدٌ لَهُمَا فَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ مِنْ الزَّوْجَيْنِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ عُلِمَ أَنَّ اللَّبَنَ مِنْ الثَّانِي بِأَمَارَةٍ كَزِيَادَةٍ فَهُوَ وَلَدُ الثَّانِي، وَإِلَّا فَهُوَ وَلَدُ الْأَوَّلِ.

وَعَنْهُ: إنْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ الْأَوَّلِ غَالِبًا فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّانِي غَالِبًا فَهُوَ لِلثَّانِي، وَإِنْ اسْتَوَيَا فَلَهُمَا، وَبِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، وَقَدْ حَكَى الْخِلَافَ هَكَذَا: إنْ زَادَ اللَّبَنُ بِالْحَبَلِ فَهُوَ ابْنُهُمَا عِنْدَهُمَا وَابْنُ الْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَكَوْنُهُ ابْنَهُمَا بِزِيَادَةِ اللَّبَنِ مُطْلَقًا أَنْسَبُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا اخْتَلَطَ لَبَنُ امْرَأَتَيْنِ كَمَا سَيُعْلَمُ فِيهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَلَدَتْ لِلزَّوْجِ فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ ثُمَّ جَفَّ لَبَنُهَا ثُمَّ دَرَّ لَهَا فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيَّةً، فَإِنَّ لِوَلَدِ زَوْجِ الْمُرْضَعَةِ مِنْ غَيْرِهَا التَّزَوُّجَ بِهَذِهِ الصَّبِيَّةِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ لَبَنَ الْفَحْلِ لِيَكُونَ هُوَ أَبَاهَا، كَمَا لَوْ لَمْ تَلِدْ مِنْ الزَّوْجِ أَصْلًا وَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِإِرْضَاعِهَا تَحْرِيمٌ بَيْنَ ابْنِ زَوْجِهَا وَمَنْ أَرْضَعَتْهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِنْتَهُ؛ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَيْهِ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ مِنْهُ، فَإِذَا انْتَفَتْ انْتَفَتْ النِّسْبَةُ فَكَانَ كَلَبَنِ الْبِكْرِ، وَلَبَنِ الزِّنَا كَالْحَلَالِ فَإِذَا أَرْضَعَتْ بِهِ بِنْتًا حُرِّمَتْ عَلَى الزَّانِي وَآبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَأَبْنَاءِ أَبْنَائِهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا.

وَفِي التَّجْنِيسِ: مِنْ عَلَامَةِ أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ كَانَ يَقُولُ فِي الدَّرْسِ: لَا يَجُوزُ لِلزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالصَّبِيَّةِ الْمُرْضَعَةِ وَلَا لِأَبِيهِ وَلَا لِأَجْدَادِهِ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ، وَلِعَمِّ الزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا، كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالصَّبِيَّةِ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْ الزَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مِنْ الزَّانِي حَتَّى يَظْهَرَ فِيهَا حُكْمُ الْقَرَابَةِ، وَالتَّحْرِيمُ عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَوْلَادِهِ لِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ وَالْبَعْضِيَّةِ وَلَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعَمِّ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي حَقِّ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الزِّنَا فَكَذَا فِي حَقِّ الْمُرْضِعَةِ بِلَبَنِ الزِّنَا. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَكَذَا لَوْ لَمْ تَحْبَلْ مِنْ الزِّنَا وَأَرْضَعَتْ لَا بِلَبَنِ الزَّانِي تَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي كَمَا تَحْرُمُ بِنْتُهَا عَلَيْهِ مِنْ النَّسَبِ. وَذَكَرَ الْوَبَرِيُّ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ خَاصَّةً مَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ حِينَئِذٍ تَثْبُتُ مِنْ الْأَبِ، وَكَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَصَاحِبُ الْيَنَابِيعِ، وَهُوَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ الزِّنَا لِلْبَعْضِيَّةِ وَذَلِكَ فِي الْوَلَدِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ دُونَ اللَّبَنِ، إذْ لَيْسَ اللَّبَنُ كَائِنًا عَنْ مَنِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ التَّغَذِّي بِخِلَافِ الْوَلَدِ، وَالتَّغَذِّي لَا يَقَعُ إلَّا بِمَا يَدْخُلُ مِنْ أَعْلَى الْمَعِدَةِ لَا مِنْ أَسْفَلِ الْبَدَنِ كَالْحُقْنَةِ فَلَا إنْبَاتَ فَلَا حُرْمَةَ، بِخِلَافِ ثَابِتِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَهُوَ قَوْلُهُ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» أَثْبَتَ الْحُرْمَةَ مِنْهُ، وَبِهِ يُسْتَدَلُّ عَلَى إبْطَالِ قَوْلٍ ضَعِيفٍ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ مِنْ الزَّوْجِ.

وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَنْ أَرْضَعَتْهُ زَوْجَتُهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ نَزَلَ لِلرَّجُلِ لَبَنٌ فَارْتَضَعَتْهُ صَغِيرَةٌ حَلَّتْ لَهُ فَكَيْفَ تَحْرُمُ بِلَبَنٍ هُوَ سَبَبٌ بَعِيدٌ فِيهِ.

وَلَنَا النَّظَرُ الْمَذْكُورُ، وَمَا رُوِيَ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>