وَلَا تُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) وَقَالَ مَالِكٌ ﵀: تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا كَانَتْ مَوْصُوفَةً بِالْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ فَتَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَنْ اشْتَرَى لَحْمًا فَأَخْبَرَهُ وَاحِدٌ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ. وَلَنَا أَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ زَوَالِ الْمِلْكِ فِي بَابِ النِّكَاحِ
لِأَنَّهُنَّ حِينَ ارْتَضَعَتَا حُرِّمَتَا فَحِينَ ارْتَضَعَتْ الثَّالِثَةُ لَمْ يَكُنْ فِي عِصْمَتِهِ سِوَاهَا، وَلَوْ كُنَّ أَرْبَعًا فَأَرْضَعَتْهُنَّ مَعًا أَوْ وَاحِدَةً ثُمَّ الثَّلَاثَ مَعًا حُرِّمْنَ، وَكَذَا لَوْ أَرْضَعَتْهُنَّ عَلَى التَّعَاقُبِ؛ لِأَنَّهَا حِينَ أَرْضَعَتْ الْأُخْرَيَيْنِ لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِهِ غَيْرُهُمَا، وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَتَانِ وَكَبِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْهُمَا الْكَبِيرَةُ عَلَى التَّعَاقُبِ بَقِيَ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا حِينَ أَرْضَعَتْهَا لَيْسَ فِي نِكَاحِهِ غَيْرُهَا، وَالسَّابِقُ عَقْدٌ مُجَرَّدٌ عَلَى الْأُمِّ فَلَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْبِنْتِ، وَلَوْ كُنَّ كَبِيرَتَيْنِ وَصَغِيرَتَيْنِ فَأَرْضَعَتْ كُلٌّ مِنْ الْكَبِيرَتَيْنِ صَغِيرَةً حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْأَرْبَعُ لِلُزُومِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُمَّيْنِ وَبِنْتَيْهِمَا، وَلَوْ أَرْضَعَتْ إحْدَى الْكَبِيرَتَيْنِ الصَّغِيرَتَيْنِ ثُمَّ أَرْضَعَتْهُمَا الْكَبِيرَةُ الْأُخْرَى وَذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِالْكَبِيرَتَيْنِ، فَالْكُبْرَى الْأُولَى مَعَ الصُّغْرَى الْأُولَى بَانَتَا مِنْهُ لِمَا قُلْنَا، وَالصُّغْرَى الثَّانِيَةُ لَمْ تَبِنْ بِإِرْضَاعِ الْكُبْرَى الْأُولَى، وَالْكُبْرَى الثَّانِيَةُ إنْ ابْتَدَأَتْ بِإِرْضَاعِ الصُّغْرَى الثَّانِيَةِ بَانَتَا مِنْهُ، أَوْ بِالصُّغْرَى الْأُولَى فَالصُّغْرَى الثَّانِيَةُ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّهَا حِينَ أَرْضَعَتْ الْأُولَى صَارَتْ أُمًّا لَهَا وَفَسَدَ نِكَاحُهَا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَى الصُّغْرَى الْأُولَى فِيمَا تَقَدَّمَ، وَالْعَقْدُ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ ثُمَّ أَرْضَعَتْ الثَّانِيَةَ وَلَيْسَ فِي نِكَاحِهِ غَيْرُهَا
(قَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ) أَيْ عَنْ الرِّجَالِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إنْ كَانَتْ مَوْصُوفَةً بِالْعَدَالَةِ، وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالشَّافِعِيِّ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ. وَاَلَّذِي فِي كُتُبِهِمْ إنَّمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ، وَكَذَا عِنْدَ مَالِكٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى ثَدْيِ الْأَجْنَبِيَّةِ.
وَالْوَجْهُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ لِلِاكْتِفَاءِ بِالْوَاحِدَةِ وَهُوَ أَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ فَهِيَ أَمْرٌ دِينِيٌّ يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، كَمَنْ اشْتَرَى لَحْمًا فَأَخْبَرَهُ وَاحِدٌ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ فَإِنَّهُ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ عَلَيْهِ بِإِخْبَارِهِ، ثُمَّ يَثْبُتُ زَوَالُ الْمِلْكِ فِي ضِمْنِهِ، كَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا بِطَرِيقٍ لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِهَا قَصْدًا، وَلِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ، فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنِّي فَتَنَحَّيْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ: وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا» وَعُقْبَةُ هَذَا يُكْنَى أَبَا سِرْوَعَةَ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَبِهَذَا الْحَدِيثِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ تُقْبَلُ الْوَاحِدَةُ الْمُرْضِعَةُ وَاعْتِبَارُ ظَاهِرِهِ مُطْلَقًا يُوجِبُ جَوَازَ قَبُولِ الْأَمَةِ.
وَرُوِيَ مُطَوَّلًا فِي التِّرْمِذِيِّ، وَفِيهِ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ وَفِيهِ قَوْلُ عُقْبَةَ «فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ أَرْضَعْتُكُمَا وَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَأَعْرَضَ عَنِّي، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَقُلْتُ إنَّهَا كَاذِبَةٌ، قَالَ: وَكَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا دَعْهَا عَنْكِ» وَلَنَا أَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute