للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَقَالَا: لَا نَرَى أَنْ تَنْكِحَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك، قَالَ: فَإِنَّمَا كَانَ طَلَاقِي إيَّاهَا وَاحِدَةً، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّك أَرْسَلْتَ مِنْ يَدِك مَا كَانَ لَك مِنْ فَضْلٍ. وَهَذَا يُعَارِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا إنَّمَا تَطْلُقُ بِالثَّلَاثِ وَاحِدَةً وَجَمِيعُهَا يُعَارِضُ مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَأَمَّا إمْضَاءُ عُمَرَ الثَّلَاثَ عَلَيْهِمْ فَلَا يُمْكِنُ مَعَ عَدَمِ مُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ لَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا كَانَتْ وَاحِدَةً إلَّا وَقَدْ اطَّلَعُوا فِي الزَّمَانِ الْمُتَأَخِّرِ عَلَى وُجُودِ نَاسِخٍ. هَذَا إنْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْ لِعِلْمِهِمْ بِانْتِهَاءِ الْحُكْمِ كَذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِإِنَاطَتِهِ بِمَعَانٍ عَلِمُوا انْتِفَاءَهَا فِي الزَّمَنِ الْمُتَأَخِّرِ فَإِنَّا نَرَى الصَّحَابَةَ تَتَابَعُوا عَلَى هَذَا الْأَمْرِ وَلَا يُمْكِنُ وُجُودُ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَعَ اشْتِهَارِ كَوْنِ حُكْمِ الشَّرْعِ الْمُتَقَرِّرِ كَذَلِكَ أَبَدًا، فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَوْجَدْنَاك عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَأَسْنَدَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي تِسْعًا وَتِسْعِينَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: ثَلَاثٌ تُبِينُهَا وَسَائِرُهُنَّ عُدْوَانٌ. وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي أَلْفًا، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: بَانَتْ مِنْك بِثَلَاثٍ وَاقْسِمْ سَائِرَهُنَّ عَلَى نِسَائِك. وَرَوَى وَكِيعٌ أَيْضًا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي يَحْيَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ: طَلَّقْت امْرَأَتِي أَلْفًا فَقَالَ بَانَتْ مِنْك بِثَلَاثٍ.

وَأَسْنَدَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ «عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ أَبَاهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْفَ تَطْلِيقَةٍ، فَانْطَلَقَ عُبَادَةُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : بَانَتْ بِثَلَاثٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبَقِيَ تِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا، إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ اللَّهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ» وَقَوْلُ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْمَذْهَبِ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ مِائَةِ أَلْفِ عَيْنٍ رَأَتْهُ فَهَلْ صَحَّ لَكُمْ عَنْ هَؤُلَاءِ أَوْ عَنْ عُشْرِ عُشْرِ عُشْرِهِمْ الْقَوْلُ بِلُزُومِ الثَّلَاثِ بِفَمٍ وَاحِدٍ بَلْ لَوْ جَهَدْتُمْ لَمْ تُطِيقُوا نَقْلَهُ عَنْ عِشْرِينَ نَفْسًا بَاطِلٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَإِجْمَاعُهُمْ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ خَالَفَ عُمَرَ حِينَ أَمْضَى الثَّلَاثَ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ فِي نَقْلِ الْحُكْمِ الْإِجْمَاعِيِّ عَنْ مِائَةِ أَلْفٍ أَنْ يُسَمَّى كُلٌّ لِيَلْزَمَ فِي مُجَلَّدٍ كَبِيرٍ حُكْمٌ وَاحِدٌ عَلَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَإِنَّ الْعِبْرَةَ فِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ مَا نُقِلَ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ لَا الْعَوَامّ وَالْمِائَةُ الْأَلْفِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَا تَبْلُغُ عِدَّةُ الْمُجْتَهِدِينَ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ كَالْخُلَفَاءِ وَالْعَبَادِلَةِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَقَلِيلٍ وَالْبَاقُونَ يَرْجِعُونَ إلَيْهِمْ وَيَسْتَفْتُونَ مِنْهُمْ، وَقَدْ أَثْبَتْنَا النَّقْلَ عَنْ أَكْثَرِهِمْ صَرِيحًا بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ. وَعَنْ هَذَا قُلْنَا: لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِأَنَّ الثَّلَاثَ بِفَمٍ وَاحِدٍ وَاحِدَةٌ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ فَهُوَ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ، وَالرِّوَايَةُ عَنْ أَنَسٍ بِأَنَّهَا ثَلَاثٌ أَسْنَدَهَا الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ.

وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَصِيرَ كَبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أُجْمِعَ عَلَى نَفْيِهِ، وَكُنَّ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ يُبَعْنَ، وَبَعْدَ ثُبُوتِ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لَا حَاجَةَ إلَى الِاشْتِغَالِ بِالْجَوَابِ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَاحِدَةً إذَا طَلَّقَ ثَلَاثًا مَعَ ظُهُورِ الْفَرْقِ بِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ لَا تَحْتَمِلُ مَخْرَجًا عَنْ الْإِبْطَالِ لِمُخَالَفَتِهِ الْإِذْنَ، وَالْمُكَلَّفُونَ وَإِنْ كَانُوا أَيْضًا إنَّمَا يَتَصَرَّفُونَ بِإِذْنِ الشَّرْعِ لَكِنْ إذَا أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِ بَعْضِ الظَّوَاهِرِ وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ كَانَ مُقَدَّمًا بِأَمْرِ الشَّرْعِ عَلَى ذَلِكَ الظَّاهِرِ، قُلْنَا: أَنْ لَا نَشْتَغِلَ مَعَهُ بِتَأْوِيلٍ، وَقَدْ يُجْمَعُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى النَّاسِخِ أَوْ الْعِلْمِ بِانْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ، هَذَا وَإِنْ حُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ دَفْعًا لِمُعَارَضَةِ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى مَا أَوْجَدْنَاكَ مِنْ النَّقْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>