لِأَنَّ صِفَةَ الْمَالِكِيَّةِ كَرَامَةٌ وَالْآدَمِيَّةُ مُسْتَدْعِيَةٌ لَهَا، وَمَعْنَى الْآدَمِيَّةِ فِي الْحُرِّ أَكْمَلُ فَكَانَتْ مَالِكِيَّتُهُ أَبْلَغَ وَأَكْثَرَ. وَلَنَا قَوْلُهُ ﵊ «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ»
أَوْ عَبْدًا لَهَا كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ فَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَأَمَرَهُ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يَأْتِيَ عُثْمَانَ فَيَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَقِيَهُ عِنْدَ الدَّرَجِ آخِذًا بِيَدِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَسَأَلَهُمَا فَابْتَدَرَاهُ جَمِيعًا فَقَالَا حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَرُمَتْ عَلَيْكَ» (وَلَنَا قَوْلُهُ ﷺ «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَائِشَةَ تَرْفَعُهُ وَهُوَ الرَّاجِحُ الثَّابِتُ، بِخِلَافِ مَا رَوَاهُ وَمَا مَهَّدَ مِنْ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ صِحَّةِ الْحَدِيثِ أَوْ حُسْنِهِ وَلَا وُجِدَ لَهُ حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِطَرِيقٍ يُعْرَفُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ: مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَحَدِيثُ الْمُوَطَّأِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَعَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ لَا يَرَى تَقْلِيدَ الصَّحَابِيِّ، وَالْإِلْزَامُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الِاسْتِدْلَالِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ نَقْضُ مَذْهَبِ الْخَصْمِ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ الْمُلْزَمُ صَحِيحًا، وَلَا يَكُونُ نَقْضُ مَذْهَبِ خَصْمِهِ فَقَطْ يُوجِبُ صِحَّةَ مَذْهَبِ نَفْسِهِ إلَّا بِطَرِيقِ عَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا إذَا كَانَ مَا نَقَضَ بِهِ مِمَّا يَعْتَقِدُهُ صَحِيحًا وَهُوَ مُنْتَفٍ عِنْدَهُ فِي مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ، فَهُوَ فِي مَذْهَبِهِ وَفِي مُعْتَقَدِهِ غَيْرُ مَنْقُوضٍ فَلَمْ يَثْبُتْ لِمَذْهَبِهِ دَلِيلٌ يُقَاوِمُ مَا رَوَيْنَا. فَإِنْ قُلْت: قَدْ ضُعِّفَ أَيْضًا مَا رَوَيْتُمْ بِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُظَاهِرٍ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ. قُلْنَا: أَوَّلًا تَضْعِيفُ بَعْضِهِمْ لَيْسَ كَعَدَمِهِ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا هُوَ فِيمَا رَوَيْتُمْ، وَثَانِيًا بِأَنَّ ذَلِكَ التَّضْعِيفَ ضَعِيفٌ؛ فَإِنَّ ابْنَ عَدِيٍّ أَخْرَجَ لَهُ حَدِيثًا آخَرَ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ ﷺ «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ عَشْرَ آيَاتٍ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ آخَرِ آلِ عِمْرَانَ» وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ ضَعَّفَهُ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ فَقَطْ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَقَلَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ وَأَبِي حَاتِمٍ وَالْبُخَارِيِّ تَضْعِيفَهُ لَكِنْ قَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ حَدِيثَهُ هَذَا عَنْهُ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَمُظَاهِرٌ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ مُتَقَدِّمِي مَشَايِخِنَا بِجَرْحٍ، فَإِذَنْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْحَدِيثُ صَحِيحًا كَانَ حَسَنًا، وَمِمَّا يُصَحِّحُ الْحَدِيثَ أَيْضًا عَمَلُ الْعُلَمَاءِ عَلَى وَفْقِهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عَقِيبَ رِوَايَتِهِ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَغَيْرِهِمْ. وَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ: قَالَ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ: عَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، وَقَالَ مَالِكٌ: شُهْرَةُ الْحَدِيثِ بِالْمَدِينَةِ تُغْنِي عَنْ صِحَّةِ سَنَدِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute