وَلِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ نِعْمَةٌ فِي حَقِّهَا، وَلِلرِّقِّ أَثَرٌ فِي تَنْصِيفِ النِّعَمِ إلَّا أَنَّ الْعُقْدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَتَكَامَلَتْ عُقْدَتَانِ، وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّ الْإِيقَاعَ بِالرِّجَالِ.
(وَإِذَا) (تَزَوَّجَ الْعَبْدُ امْرَأَةً) بِإِذْنِ مَوْلَاهُ وَطَلَّقَهَا (وَقَعَ طَلَاقُهُ وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مَوْلَاهُ عَلَى امْرَأَتِهِ)؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَكُونُ الْإِسْقَاطُ إلَيْهِ دُونَ الْمَوْلَى.
انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ نِعْمَةٌ) تَزِيدُ بِزِيَادَتِهِ، وَلِذَا اتَّسَعَ حِلُّهُ ﷺ عِنْدَ زِيَادَةِ فَضْلِهِ (وَلِلرِّقِّ أَثَرٌ فِي تَنْصِيفِ النِّعْمَةِ) فِي الشَّرْعِ كَمَا عُرِفَ (إلَّا أَنَّ الْعُقْدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَتَكَامَلَتْ عُقْدَتَانِ) يَعْنِي يَلْزَمُ لِتَنْصِيفِ النِّعْمَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَرَّةً وَنِصْفًا عَقِيبَ طَلَاقِهِ إيَّاهَا، لَكِنَّ الْعُقْدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَكَمُلَتْ كَالطَّلْقَةِ وَالْحَيْضَةِ فِي حَقِّهَا، ثُمَّ لَوْ تَمَّ أَمْرُ مَا رَوَاهُ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ قِيَامَ الطَّلَاقِ بِالرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ احْتِمَالًا لِلَّفْظِ مُسَاوِيًا لَتَأَيَّدَ بِمَا رَوَيْنَاهُ فَكَيْفَ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ كَمَا هُوَ فِي قَوْلِهِمْ الْمِلْكُ بِالرِّجَالِ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ امْرَأَةً وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مَوْلَاهُ عَلَى امْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ)؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ وَهُوَ فِيهَا مُبْقِي عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي ابْتِدَاءِ تَمَلُّكِهِ إيَّاهُ إلَى إذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ بِلَا مَالٍ فِي حَقِّ الِابْتِدَاءِ، وَالْبَقَاءُ فِي حَقِّ النَّفَقَةِ وَتَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِالْعَبْدِ يَقَعُ مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَتِهِ بِحَيْثُ تُؤْخَذُ هِيَ فِيهِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ بِالْمَوْلَى فَيُتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهُ بِهِ وَالْتِزَامِهِ إيَّاهُ، فَإِذَا الْتَزَمَهُ حَتَّى ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ كَانَ إلَيْهِ دَفْعُهُ لَا إلَى غَيْرِهِ.
وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ ﷺ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَيِّدِي زَوَّجَنِي أَمَتَهُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، فَصَعِدَ النَّبِيُّ ﷺ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يُزَوِّجُ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا، إنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ غَيْرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ]
الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِمَالٍ لَا يَنْعَزِلُ بِطَلَاقِ الْمُوَكِّلِ سَوَاءٌ طَلَّقَهَا الْمُوَكِّلُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا يَنْعَزِلُ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا الْمُوَكِّلُ بَعْدَ الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ طَلَاقُ الْوَكِيلِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِيمَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا فَإِنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ وَقَعَ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute