للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَنَّهُ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ بِالنَّصِّ

بِالْغَلَبَةِ هُنَا هُوَ مَا وَصَفَهُ بِعَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ فِي غَيْرِهِ، وَالْغَلَبَةُ فِي مَفْهُومِهَا الِاسْتِعْمَالُ فِي الْغَيْرِ قَلِيلًا لِلتَّقَابُلِ بَيْنَ الْغَلَبَةِ وَالِاخْتِصَاصِ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّرِيحِ لَفْظَيْ التَّسْرِيحِ وَالْفِرَاقِ لِوُرُودِهِمَا فِي الْقُرْآنِ لِلطَّلَاقِ كَثِيرًا.

قُلْنَا: الْمُعْتَبَرُ تَعَارُفُهُمَا فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ فِي الطَّلَاقِ لَا اسْتِعْمَالُهُمَا شَرْعًا مُرَادًا هُوَ بِهِمَا (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ) ذَكَرَ لِلصَّرِيحِ حُكْمَيْنِ: كَوْنُهُ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَعَدَمُ احْتِيَاجَةِ إلَى نِيَّةٍ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَمُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَعْرِصْ عَارِضُ تَسْمِيَةِ مَالٍ أَوْ ذِكْرُ وَصْفٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَقَدْ يُقَالُ الصَّرِيحُ هُوَ الْمُقْتَصَرُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَيْدِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ بَعْدَ صَرِيحِ طَلَاقِهِ الْمُفَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ﴾ فَعُلِمَ أَنَّ الصَّرِيحَ يَسْتَعْقِبُهَا لِلْإِجْمَاعِ. عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبُعُولَةِ فِي الْآيَةِ الْمُطَلِّقُونَ صَرِيحًا كَانَ أَوْ مَجَازًا غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى إثْبَاتِ كَوْنِ الْمُطَلِّقِ رَجْعِيًّا بَعْلًا حَقِيقَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهِ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ سَمَّاهُ بَعْلًا فَعُلِمَ أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُبْطِلُ الزَّوْجِيَّةَ، ثُمَّ إيرَادُ أَنَّ حَقِيقَةَ الرَّدِّ يَدُلُّ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ فَلَا يَكُونُ زَوْجًا إلَّا مَجَازًا، وَجَعَلَهُ حَقِيقَةً يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّجَوُّزِ بِلَفْظِ الرَّدِّ وَلَيْسَ هُوَ بِأَوْلَى مِنْ قَلْبِهِ. ثُمَّ الْجَوَابُ عَنْهُ بِمَنْعِ تَصَوُّرِ كَوْنِ الرَّدِّ حَقِيقَةً بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ.

بَلْ قَدْ يُقَالُ أَيْضًا بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِ زَوَالِهِ مُعَلَّقًا بِمُتَعَلِّقِ الْمِلْكِ عَلَى مَعْنَى مَنْعِ السَّبَبِ مِنْ تَأْثِيرِ زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْهُ كَقَوْلِنَا رَدَّ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ لِلْبَائِعِ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: رَدَّ الْمَبِيعَ عَنْ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مِلْكِهِ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ بِفَسْخِ السَّبَبِ فِي الْحَالِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، كَمَا يُقَالُ مُتَعَلِّقًا بِهِ بَعْدَ تَأْثِيرِ السَّبَبِ كَمَا فِي رَدِّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ: يَعْنِي إلَى قَدِيمِ الْمِلْكِ الزَّائِلِ فَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِثْبَاتِ بَحْثٍ آخَرَ عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ فِي الْأَوَّلِ حَقِيقَةً مِمَّا يَمْنَعُهُ الْخَصْمُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ فَإِنَّهُ أَعْقَبَهُ الرَّجْعَةَ الَّتِي هِيَ الْمُرَادُ بِالْإِمْسَاكِ وَهُوَ الْأَنْسَبُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَنَّهُ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ بِالنَّصِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ اسْتِدَامَةُ الْقَائِمِ لَا إعَادَةُ الزَّائِلِ، فَدَلَّ عَلَى إبْقَاءِ النِّكَاحِ بَعْدَ الرَّجْعِيِّ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ الْآخَرُ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ كَوْنُهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ فَنُقِلَ فِيهِ إجْمَاعُ الْفُقَهَاءِ.

إلَّا دَاوُد فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ قَيْدِ النِّكَاحِ، قُلْنَا: هَذَا احْتِمَالٌ يَعْزُبُ إخْطَارُهُ عِنْدَ خِطَابِ الْمَرْأَةِ بِهِ عَنْ النَّفْسِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ فَصَارَ اللَّفْظُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْنَى. وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَيْثُ أَمَرَهُ بِالْمُرَاجَعَةِ وَلَمْ يَسْأَلْهُ أَنَوَى أَمْ لَا؟ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ كَالْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَرَائِنَ إرَادَةِ الْإِيقَاعِ قَائِمَةٌ فِيمَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ الِاعْتِزَالِ وَالتَّرْكِ لَهَا حَتَّى فُهِمَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَدَلَالَةُ إطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ﴾ وَنَحْوِهِ اعْتِبَارُ عَدَمِ النِّيَّةِ أَبْعَدَ، ثُمَّ قَوْلُنَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَصْلًا يَقَعُ لَا أَنَّهُ يَقَعُ وَإِنْ نَوَى شَيْئًا آخَرَ، لِمَا ذَكَرَ أَنَّهُ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وِثَاقٍ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَكَذَا عَنْ الْعَمَلِ فِي رِوَايَةٍ كَمَا سَيَذْكُرُ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَصْدِ بِالْخِطَابِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ عَالِمًا بِمَعْنَاهُ أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَائِبَةِ كَمَا يُفِيدُهُ فُرُوعٌ: هُوَ أَنَّهُ لَوْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ بِحَضْرَةِ زَوْجَتِهِ وَيَقُولُ: أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا يَنْوِي طَلَاقًا لَا تَطْلُقُ، وَفِي مُتَعَلِّمٍ يَكْتُبُ نَاقِلًا مِنْ كِتَابِ رَجُلٍ قَالَ: ثُمَّ وَقَفَ وَكَتَبَ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَكَلَّمَا كَتَبَ قَرَنَ الْكِتَابَةَ بِالتَّلَفُّظِ بِقَصْدِ الْحِكَايَةِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ.

وَلَوْ قَالَ لِقَوْمٍ تَعَلَّمْت ذِكْرًا بِالْفَارِسِيَّةِ فَقُولُوهُ مَعِي فَقَالَ: رَنِ مِنْ بَسّه طَلَاق فَقَالُوهُ لَمْ يُحْكَمُ عَلَيْهِمْ بِالْحُرْمَةِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَعْتَقِدُوهُ ذِكْرًا وَاعْتَقَدُوهُ شَيْئًا آخَرَ، كَذَا نُقِلَ مِنْ فَتَاوَى الْمَنْصُورِيِّ. وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ لُقِّنَتْ الْمَرْأَةُ زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَمْ تَعْرِفْ مَعْنَاهُ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ مَعْنَاهُ أَوْ لَا يَعْلَمُونَ صَحَّ النِّكَاحُ كَالطَّلَاقِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>