للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَكَذَا إذَا نَوَى الْإِبَانَةَ

وَقِيلَ لَا كَالْبَيْعِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْخِلَافِ فِي الْوُقُوعِ فِي مَسْأَلَةِ الذِّكْرِ، وَفِيهَا فِي الْجِنْسِ الْأَوَّلِ مِنْ مُقَدَّمَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ طَلَاقُ الْهَازِلِ وَطَلَاقُ الرَّجُلِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ وَاقِعٌ.

وَفِي النَّسَفِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ الْغَلَطُ فِي الطَّلَاقِ، وَهُوَ مَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اسْقِ فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَ بِالْعَتَاقِ يَدِينُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ الْغَلَطُ فِيهِمَا.

وَفِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا: قَالَتْ لِزَوْجِهَا: اقْرَأْ عَلَيَّ اعْتَدِّي أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَفَعَلَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي الْقَضَاءِ لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ وَلَمْ يَنْوِ، وَهَذَا يُوَافِقُ مَا فِي الْمَنْصُورِيِّ، وَيُخَالِفُ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ آنِفًا مِنْ مَسْأَلَةِ التَّلْقِينِ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ الشَّرْعِ أَنْ لَا يَقَعَ بِلَا قَصْدٍ لَفْظُ الطَّلَاقِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ فِيمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ وَاقِعٌ: أَيْ فِي الْقَضَاءِ، وَقَدْ يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ بِالْعَتَاقِ يَدِينُ، بِخِلَافِ الْهَازِلِ لِأَنَّهُ مُكَابِرٌ بِاللَّفْظِ فَيَسْتَحِقَّ التَّغْلِيظُ، وَسَيَذْكُرُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ مِنْ الْوِثَاقِ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ أَنَّهُ أَصَرْحُ صَرِيحٍ فِي الْبَابِ ثُمَّ لَمْ يُعَارِضْ ذَلِكَ قَوْلُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ: يَعْنِي اللَّفْظَ بَعْدَ الْقَصْدِ إلَى اللَّفْظِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ السَّبَبَ عَالَمًا بِأَنَّهُ سَبَبٌ رَتَّبَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ عَلَيْهِ أَرَادَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ إلَّا إنْ أَرَادَ مَا يَحْتَمِلُهُ. وَأَمَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْهُ أَوْ لَمْ يَدْرِ مَا هُوَ فَيَثْبُتَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ شَرْعًا وَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِ اللَّفْظِ وَلَا بِاللَّفْظِ فَمِمَّا يَنْبُو عَنْهُ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ وَفُسِّرَ بِأَمْرَيْنِ: أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ مَعَ أَنَّهُ قَاصِدٌ لِلسَّبَبِ عَالِمٌ بِحُكْمِهِ فَإِلْغَاؤُهُ لِغَلَطِهِ فِي ظَنِّ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَالْآخَرُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ بِلَا قَصْدٍ إلَى الْيَمِينِ كَلَا وَاَللَّهِ بَلَى وَاَللَّهِ، فَرُفِعَ حُكْمُهُ الدُّنْيَوِيُّ مِنْ الْكَفَّارَةِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ إلَيْهِ، فَهَذَا تَشْرِيعٌ لِعِبَادِهِ أَنْ لَا يُرَتِّبُوا الْأَحْكَامَ عَلَى الْأَسْبَابِ الَّتِي لَمْ تُقْصَدْ، وَكَيْفَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّائِمِ عِنْدَ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ إلَى اللَّفْظِ وَلَا حُكْمِهِ وَإِنَّمَا لَا يُصَدِّقُهُ غَيْرُ الْعَلِيمِ وَهُوَ الْقَاضِي.

وَفِي الْحَاوِي مَعْزُوًّا إلَى الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ أَنَّ أَسَدًا سَأَلَ عَمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: زَيْنَبُ طَالِقٌ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ عَمْرَةُ عَلَى أَيِّهِمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، فَقَالَ فِي الْقَضَاءِ: تَطْلُقُ الَّتِي سَمَّاهَا، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، أَمَّا الَّتِي سَمَّاهَا فَلِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْهَا، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّهَا لَوْ طَلُقَتْ طَلُقَتْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ فَهَذَا صَرِيحٌ.

وَأَمَّا مَا رَوَى عَنْهُمَا نُصَيْرٌ مِنْ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الطَّلَاقُ يَقَعُ دِيَانَةً وَقَضَاءً فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا نَوَى الْإِبَانَةَ) أَيْ بِالصَّرِيحِ يَقَعُ رَجْعِيًّا وَتَلْغُو نِيَّتُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>