للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَلَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ مَا نَوَى لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لَفْظَهُ، فَإِنَّ ذِكْرَ الطَّالِقِ ذِكْرٌ لِلطَّلَاقِ لُغَةً كَذِكْرِ الْعَالَمِ ذِكْرٌ لِلْعِلْمِ

وَطَلَاغٌ، وَطَلَاكٌ، وَتَلَاكٌ. وَيَقَعُ بِهِ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يُصَدَّقُ إلَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ التَّكَلُّمِ بِأَنْ قَالَ: امْرَأَتِي تَطْلُبُ مِنِّي الطَّلَاقَ وَأَنَا لَا أُطَلِّقُ فَأَقُولُ هَذَا وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً، وَكَانَ ابْنُ الْفَضْلِ يُفَرِّقُ أَوَّلًا بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَلْوَانِيِّ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى هَذَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَلَوْ قَالَ: نِسَاءُ أَهْلِ الدُّنْيَا أَوْ الرَّيِّ طَوَالِقُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الرَّيِّ لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ إلَّا إنْ نَوَاهَا، رَوَاهُ هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.

وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِ لَفْظِ جَمِيعٍ وَعَدَمِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَفِي نِسَاءِ أَهْلِ السِّكَّةِ أَوْ الدَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا وَنِسَاءِ هَذَا الْبَيْتِ وَهِيَ فِيهِ تَطْلُقُ. وَنِسَاءِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ مِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقَهَا بِالدَّارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقهَا بِالْمِصْرِ.

وَلَوْ قَالَ: طَلَّاقُك عَلَيَّ لَا يَقَعُ، وَلَوْ زَادَ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ لَازِمٌ أَوْ ثَابِتٌ قِيلَ تَطْلُقُ رَجْعِيَّةً نَوَى أَوْ لَا، وَقِيلَ: لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى، وَقِيلَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَقَعُ، وَفِي قَوْلِهِمَا لَا يَقَعُ فِي وَاجِبٍ وَيَقَع فِي لَازِمٍ، وَقِيلَ: بَلْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى نِيَّتِهِ، وَقِيلَ يَقَعُ فِي وَاجِبٍ لِلتَّعَارُفِ بِهِ، وَفِي الثَّلَاثَةِ لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى لِعَدَمِ التَّعَارُفِ. وَفِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى لِلْخَاصِّيِّ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَقَعُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ وَاجِبًا أَوْ ثَابِتًا بَلْ حُكْمَهُ، وَحُكْمُهُ لَا يَجِبُ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَتَاقِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ ثُبُوتَهُ اقْتِضَاءً، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّتِهِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ عُرْفٌ فَاشٍ فَيَصِيرَ صَرِيحًا فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً فِي صَرْفِهِ عَنْهُ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ قَصَدَهُ وَقَعَ وَإِلَّا لَا، فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ هَذَا الْأَمْرُ عَلَيَّ وَاجِبٌ بِمَعْنَى يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَهُ لَا أَنِّي فَعَلْتُهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ أُطَلِّقَك، وَقَدْ تُعُورِفَ فِي عُرْفِنَا فِي الْحَلِفِ الطَّلَاقَ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا: يُرِيدُ إنْ فَعَلْتُهُ لَزِمَ الطَّلَاقُ وَوَقَعَ، فَيَجِبُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَكَذَا تَعَارَفَ أَهْلُ الْأَرْيَافِ الْحَلِفَ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقِ لَا أَفْعَلُ، وَلَوْ قَالَ: طَالِ بِلَا قَافٍ يَقَعُ، قِيلَ: لِأَنَّهُ تَرْخِيمٌ وَهُوَ غَلَطٌ، إذْ التَّرْخِيمُ اخْتِيَارًا فِي النِّدَاءِ، وَفِي غَيْرِهِ إنَّمَا يَقَعُ اضْطِرَارًا فِي الشِّعْرِ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ بِثَلَاثٍ وَقَعَتْ ثَلَاثٌ إنْ نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ، وَلَوْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ لَا يُصَدَّقُ إذَا كَانَ فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَإِلَّا صُدِّقَ، وَمِثْلُهُ بِالْفَارِسَةِ توبسه عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى خِلَافًا لِلصَّفَّارِ.

وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ أَطَلْقُ مِنْ فُلَانَةَ وَفُلَانَةُ مُطَلَّقَةٌ أَوْ غَيْرُ مُطَلَّقَةٍ، فَإِنْ عُنِيَ بِهِ الطَّلَاقُ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ، وَالْمَعْنَى عِنْدَ عَدَمِ كَوْنِهَا مُطَلَّقَةً لِأَجْلِ فُلَانَةَ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَيْسَ صَرِيحًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ لَهُ مَثَلًا: فُلَانٌ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَقَالَ: لَهَا ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقَعُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ أَزَنَى مِنْ فُلَانَةَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْقَذْفِ.

وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: كُونِي طَالِقًا أَوْ اطَّلِقِي يَقَعُ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُونِي لَيْسَ أَمْرًا حَقِيقَةً لِعَدَمِ تَصَوُّرِ كَوْنِهَا طَالِقًا مِنْهَا بَلْ عِبَارَةً عَنْ إثْبَاتِ كَوْنِهَا طَالِقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ لَيْسَ أَمْرًا بَلْ كِنَايَةً عَنْ التَّكْوِينِ وَكَيْنُونَتُهَا طَالِقًا يَقْتَضِي إيقَاعًا قَبْلُ فَيَتَضَمَّنَ إيقَاعًا سَابِقًا، وَكَذَا قَوْلُهُ اطَّلِقِي وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ لِلْأَمَةِ: كُونِي حُرَّةً.

(قَوْلُهُ وَلَا يَقَعُ بِهِ) أَيْ بِالصَّرِيحِ الْمُقَيَّدِ بِالْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنْتِ طَالِقٌ مُطَلَّقَةٌ طَلَّقْتُك لَا تَطْلُقُ (إلَّا وَاحِدَةً وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) لَا الصَّرِيحُ مُطْلَقًا لِأَنَّ مِنْهُ الْمَصْدَرَ وَبِهِ يَقَعُ الثَّلَاثُ بِالنِّيَّةِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ مَا نَوَى) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>