هُوَ الْحَظْرُ، ثُمَّ الْغَايَةُ الْأُولَى لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ، وَوُجُودُهَا بِوُقُوعِهَا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ
أُجِيبُ بِأَنَّ ثَانِيَةً لَغْوٌ فَيَقَعَ بِأَنْتَ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ هُنَا مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ فَإِنَّهُ كَلَامٌ مُعْتَبَرٌ فِي إيقَاعِ الثَّانِيَةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ إيقَاعِ الْأُولَى.
فَإِنْ قِيلَ: لَفْظُ مَا بَيْنَ هَذَا وَهَذَا يَسْتَدْعِي وُجُودَ الْأَمْرَيْنِ وَوُجُودَهُمَا وُقُوعَهُمَا فَيَقَعَ الثَّلَاثُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَحْسُوسَاتِ، أَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ فَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْأَوَّلَ وَاحْتِمَالَ وُجُودِ الثَّانِي عُرْفًا، فَفِي مِنْ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ يَصْدُقُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ السَّبْعِينَ بَلْ مُنْتَظِرُهُ وَلَمْ يَعُدْ مُخْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ بِهِ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ الْقَدْرِ. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا إنْ انْتَهَضَ عَلَيْهِمَا لَا يَنْتَهِضُ عَلَى زُفَرَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُقَالُ مِنْ طُرَفِهِ لَا عُرْفَ فِي الطَّلَاقِ فَلَا يَلْزَمُ إدْخَالُ الْغَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّ مَا بَيْنَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الثَّانِيَةَ لَا مِنْ حَيْثُ هِيَ ثَانِيَةُ الْوَاقِعِ بَلْ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَا بَيْنَ الْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى إدْخَالِهَا ضَرُورَةَ إيقَاعِ الثَّانِيَةِ فِي مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ. وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ تَعَارُفُ مِثْلِ ذَلِكَ التَّرْكِيبِ فِي الطَّلَاقِ وَجَبَ اعْتِبَارُ غَبِّرَا أَجْزَاءَ لَفْظِهِ وَهِيَ لَا تُوجِبُ إلَّا دُخُولَ مَا بَيْنَ الْحَدَّيْنِ وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِادِّعَاءِ أَنَّ الْعُرْفَ أَفَادَ أَنَّ مِثْلَهُ يُرَادُ بِهِ ذَلِكَ فِي أَيِّ مَادَّةٍ وَقَعَ وَقَدْ لَا يُسَلِّمُهُ زُفَرُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ زُفَرَ عَلَى مَسْأَلَةِ مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ الثَّانِيَةَ وَاقِعَةٌ وَلَا وُجُودَ لَهَا إلَّا بِوُقُوعِ الْأُولَى فَوَقَعَتْ ضَرُورَةً، بِخِلَافِ الْغَايَةِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهَا لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى إدْخَالِهَا فِي الْمُغَيَّا فَبَقِيَتْ الْغَايَتَانِ خَارِجَتَيْنِ، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ إلَّا بِقَضِيَّةِ اللَّفْظِ، وَمَسْأَلَةِ الْبَيْعِ لِإِظْهَارِ أَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يُتْرَكْ ظَاهِرُهُ فَتَحْقِيقُ الْفَرْقِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعُرْفَ فِيهِ إرَادَةُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقَلِّ إلَى آخِرِهِ فَاقْتَضَى فِي مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ وُقُوعُ ثِنْتَيْنِ لِأَنَّهُمَا الْأَكْثَرُ مِنْ الْأَقَلِّ وَالْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ فَلَزِمَ وُقُوعُ الْأُولَى،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute