للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَأُمًّا الضَّرْبُ الثَّانِي وَهُوَ الْكِنَايَاتُ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِدَلَالَةِ الْحَالِ) لِأَنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلطَّلَاقِ بَلْ تَحْتَمِلُهُ وَغَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ أَوْ دَلَالَتِهِ. قَالَ (وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ وَلَا يَقَعُ بِهَا إلَّا وَاحِدَةٌ، وَهِيَ قَوْلُهُ: اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَكِ وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ) أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الِاعْتِدَادَ عَنْ النِّكَاحِ وَتَحْتَمِلُ اعْتِدَادَ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ نَوَى الْأَوَّلَ تَعَيَّنَ بِنِيَّتِهِ فَيَقْتَضِي طَلَاقًا سَابِقًا وَالطَّلَاقُ يُعْقِبُ الرَّجْعَةَ.

مَدْخُولًا بِهَا تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَوَقَعَ الثَّانِي وَلَغَا الثَّالِثُ.

وَالْوَجْهُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْأَصْلِ ظَاهِرٌ، وَعِنْدَهُمَا تَعَلَّقَ الْكُلُّ بِالثَّانِي قَدَّمَهُ أَوْ أَخَّرَهُ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ يَقَعُ الثَّلَاثُ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً قَدَّمَهُ أَوْ أَخَّرَهُ، فَأَثَرُ التَّرَاخِي يَظْهَرُ عِنْدَهُ فِي التَّعْلِيقِ كَأَنَّهُ سَكَتَ ثُمَّ تَكَلَّمَ، وَعِنْدَهُمَا فِي الْوُقُوعِ عِنْدَ الشَّرْطِ وَلَوْ لَمْ يَعْطِفْ أَصْلًا بِأَنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَاحِدَةً يَقَعُ عِنْدَ الشَّرْطِ وَاحِدَةً بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَلَغَا مَا بَعْدَهُ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ تَشْرِيكَهُ مَعَهُ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي وَهُوَ الْكِنَايَاتُ) لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الصَّرِيحِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْكِنَايَاتِ وَقَدَّمَ الصَّرِيحَ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِلْإِفْهَامِ، فَمَا كَانَ أَدْخَلَ وَأَظْهَرَ فِيهِ كَانَ أَصْلًا بِالنِّسْبَةِ لِمَا وُضِعَ لَهُ، وَحِينَ كَانَ الصَّرِيحُ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ لِاشْتِهَارِهِ فِي الْمَعْنَى كَانَ الْكِنَايَةُ مَا خَفِيَ الْمُرَادُ بِهِ لِتَوَارُدِ الِاحْتِمَالَاتِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعَرِّفْ الْمُصَنِّفُ الْكِنَايَةَ كَمَا عَرَّفَ الصَّرِيحَ بَلْ ابْتَدَأَ فَقَالَ (وَهُوَ الْكِنَايَاتُ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ) إلَى آخِرِهِ لِاشْتِهَارِ أَنَّهَا ضِدَّ الصَّرِيحِ، وَحِينَ عَرَّفَهُ عُلِمَ أَنَّ الْكِنَايَةَ مَا لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ تَعْرِيفُهُ مَعَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ رَسْمُهَا مِنْ تَعْلِيلِهِ حَيْثُ قَالَ: إنَّهَا تَحْتَمِلُهُ وَغَيْرَهُ، فَكَأَنَّ الْكِنَايَةَ مَا احْتَمَلَ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فَلَزِمَ أَنْ يَسْتَفْسِرَ عَنْ مَقْصُودِهِ بِهِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ حَالَةً ظَاهِرَةً تُفِيدُ مَقْصُودَهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَعْتَبِرُهَا وَلَا يُصَدِّقُهُ فِي ادِّعَاءٍ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يُخَالِفُ مُقْتَضَاهَا وَهِيَ دَلَالَةُ الْحَالِ فَإِنَّهَا مِمَّا يُحْكَمُ بِإِرَادَةِ مُقْتَضَاهَا شَرْعًا كَمَا فِي الْبَيْعِ بِالدَّرَاهِمِ الْمُطْلَقَةِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ الضَّرُورَةَ نِيَّةَ الْحَجِّ يَنْصَرِفُ إلَى نِيَّةِ الْحَجِّ الْفَرْضِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ النِّيَّةَ بَاطِنَةٌ وَالْحَالُ ظَاهِرَةٌ فِي الْمُرَادِ فَظَهَرَتْ نِيَّتُهُ بِهَا فَلَا يُصَدَّقُ فِي إنْكَارِ مُقْتَضَاهَا بَعْدَ ظُهُورِهِ فِي الْقَضَاءِ، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيُصَدِّقُهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إذَا نَوَى خِلَافَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الْحَالِ. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِدَلَالَةِ الْحَالِ يُحْمَلُ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي بِالْوُقُوعِ، أَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ مُطْلَقًا، أَلَا تَرَى أَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَالَ: أَرَدْتُ عَنْ وَثَاقٍ لَا يُصَدِّقُهُ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ هِيَ زَوْجَتُهُ إذَا كَانَ نَوَاهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلطَّلَاقِ) بَلْ مَوْضُوعَةٌ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ أَوْ مِنْ حُكْمِهِ، وَالْأَعَمُّ فِي الْمَادَّةِ الِاسْتِعْمَالِيَّة يَحْتَمِلُ كُلًّا مِمَّا صَدَقَاتِهِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِمُعَيِّنٍ، وَالْمُعَيِّنُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ هُوَ النِّيَّةُ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَاضِي دَلَالَةُ الْحَالِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَدَعْوَاهُ مَا أَرَادَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ حُكْمِهِ، وَلَمْ نَقُلْ: أَعَمُّ مِنْهُ لِمَا سَنَذْكُرُ مِنْ أَنَّهَا لَمْ يُرِدْ بِمَا سِوَى الثَّلَاثِ الرَّجْعِيَّةِ اعْتَدِّي اسْتَبْرِئِي أَنْتِ وَاحِدَةً الطَّلَاقَ أَصْلًا بَلْ مَا هُوَ حُكْمُهُ مِنْ الْبَيْنُونَةِ مِنْ النِّكَاحِ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَلْ تَحْتَمِلُهُ وَغَيْرَهُ تَسَاهُلٌ لِأَنَّ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ تُسْتَعْمَلُ فِيهَا، وَسَنُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا الطَّلَاقَ وَنُقَرِّرُهُ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ تَحْتَمِلُهُ مُتَعَلِّقًا لِمَعْنَاهَا أَوْ وَاقِعًا عِنْدَهُ فَتَدْخُلُ الثَّلَاثُ الرَّجْعِيَّةُ (قَوْلُهُ وَهِيَ) أَيْ الْكِنَايَاتُ (عَلَى ضَرْبَيْنِ) هَذَا تَقْسِيمٌ لِلْكِنَايَاتِ، وَهِيَ تَنْقَسِمُ أَوَّلًا بِحَسَبِ مَا هِيَ كِنَايَةٌ عَنْهُ، وَثَانِيًا بِاعْتِبَارِ الْوَاقِعِ بِهَا، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنَّفُ هِيَ الْقِسْمَةُ الثَّانِيَةُ.

أَمَّا الْأُولَى فَتَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ حُكْمِ الطَّلَاقِ وَإِلَى مَا عَنْ تَفْوِيضِهِ الثَّانِي لَفْظَانِ اخْتَارِي وَأَمْرُك بِيَدِك

<<  <  ج: ص:  >  >>