. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فَتُقَبِّلَهُ بِشَهْوَةٍ فَيَصِيرُ مُرَاجِعًا وَهُوَ لَا يُرِيدُهَا فَيَحْتَاجُ إلَى طَلَاقٍ ثَانٍ وَثَالِثٍ فَيَنْسَدُّ بَابُ التَّدَارُكِ، فَهُوَ لِأَجْلِ ذَلِكَ مُحْتَاجٌ إلَى أَنْ تُشْرَعَ لَهُ الْإِبَانَةُ كَذَلِكَ كَيْ لَا تَفُوتَ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ.
وَدَفَعَ بِأَنَّ هَذِهِ مَصْلَحَةٌ، وَثُبُوتُ التَّمَكُّنِ مِنْ إعَادَتِهَا إذَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ طَلَبُهَا وَتَغَيَّرَ رَأْيُهُ مَعَ أَنَّ الْإِنْسَانَ مَحَلُّ التَّغَيُّرِ مَصْلَحَةٌ أُخْرَى أَكِيدَةٌ، إذْ كَثِيرًا مَا يَقَعُ ذَلِكَ بَلْ وُقُوعُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ أَكْثَرُ مِنْ وُقُوعِ طَلَاقٍ لَمْ تَدْعُ النَّفْسُ بَعْدَهُ إلَى مُرَاجَعَةٍ، وَمَعَ الْإِبَانَةِ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ فَيَحْصُلَ لَهُ ضَرَرٌ شَدِيدٌ، وَهَذِهِ لَا تَتَرَتَّبُ إلَّا عَلَى عَدَمِ الْإِبَانَةِ فَاقْتَضَتْ عَدَمَ شَرْعِيَّتِهَا، بِخِلَافِ تِلْكَ إذْ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا مَعَ عَدَمِ شَرْعِيَّةِ الْإِبَانَةِ بِيَسِيرٍ مِنْ الِاحْتِرَاسِ مِنْ فَجْأَتِهَا مُقَبِّلَةً وَنَحْوِهِ، فَكَانَ اعْتِبَارُ مَنْعِ الْإِبَانَةِ أَجْلَبَ لِلْمَصْلَحَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْوِيتِ الْمَصْلَحَةِ الْأُخْرَى، فَإِنْ أَرَدْت تَخْصِيصَ نَصِّ إعْقَابِ الطَّلَاقِ الرَّجْعَةَ بِالْقِيَاسِ بَعْدَ تَخْصِيصِهِ بِالِافْتِدَاءِ نَصًّا لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِالْقِيَاسِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِالنَّصِّ جَائِزٌ لَمْ يَتِمَّ الْمَعْنَى فِيهِ وَلَمْ يَلْزَمْ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَى الْخَلَاصِ بِالْإِبَانَةِ لَيْسَ كَحَاجَةِ الْمَرْأَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِبَانَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُعْقِبُ النَّدَمَ لِتَرْكِهَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ أَوْ تَفْرِيقُ الثَّلَاثِ عَلَى الْأَطْهَارِ بِخِلَافِهَا فَلَمْ يَتَوَقَّفْ دَفْعُ حَاجَتِهِ عَلَى شَرْعِيَّةِ الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ وَلِذَا رَجَّحْنَا كَرَاهَةَ الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ بَعْدَمَا حَقَّقْنَا سَبَبَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى الْإِبَانَةِ مِنْ الْفِطَامِ.
هَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَعْنَيَيْنِ أَعْنِي عَدَمَ انْسِدَادِ بَابِ التَّدَارُكِ وَبَابِ الرَّجْعَةِ إذَا تَغَيَّرَ رَأْيُهُ مِنْ بَابِ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ لَا جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ. وَالْوَجْهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا أَثْبَتَ الشَّرْعُ الْإِيقَاعَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَقَدْ أَثْبَتَ الْإِبَانَةَ لِأَنَّهَا مَعْنَاهَا، وَقَوْلُهُ: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ أَيْ الْمَسْنُونُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى صِحَّةِ وُقُوعِ الثَّلَاثَةِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ خُصُوصًا عِنْدَهُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَأَيْضًا لَفْظُ بَائِنٍ مَثَلًا يَقَعُ بِهِ الْبَيْنُونَةُ الْغَلِيظَةُ بِفَمٍ وَاحِدٍ فَتَقَعُ بِهِ الْخَفِيفَةُ كَالطَّلَاقِ لَمَّا وَقَعَ بِالْغَلِيظَةِ وَقَعَ بِهِ الْخَفِيفَةُ.
وَأَيْضًا خَصَّ مِنْهُ الطَّلَاقَ بِمَالٍ فَلَمْ يَبْقَ الْعُمُومُ مِنْهُ مُرَادًا فَحَاصِلُهُ الطَّلَاقُ الْمَسْنُونُ بِلَا مَالٍ يُعْقِبُ الرَّجْعَةَ فَقَدْ أَخْرَجَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَحِينَ ثَبَتَ شَرْعُ الْإِيقَاعِ بِلَفْظِ بَائِنَةٍ ثَبَتَ أَيْضًا إخْرَاجُ الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ بِلَا مَالٍ لِأَنَّ شَرْعَ الْإِيقَاعِ بِهِ هُوَ جَعْلُ اللَّفْظِ سَبَبًا لِوُجُوبِ مَعْنَاهُ وَمَعْنَاهُ الْبَيْنُونَةُ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى إيقَاعِ الثَّلَاثِ شَرْعًا بِهِ تَحْلِيفُهُ ﷺ أَبَا رُكَانَةَ حِينَ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً، وَشَرَحَ قَوْلَهُ وَلَيْسَتْ كِنَايَاتٍ عَلَى التَّحْقِيقِ لِأَنَّهَا عَوَامِلُ فِي حَقَائِقِهَا: يَعْنِي لَا تَرَدُّدَ فِي الْمُرَادِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مَعْنَى بَائِنٍ الْحَقِيقِيَّ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الِاتِّصَالِ مُرَادٌ، وَكَذَا الْبَتُّ وَالْبَتْلُ: الْقَطْعُ، وَالتَّرَدُّدُ إنَّمَا هُوَ فِي مُتَعَلِّقِهَا: أَعْنِي الْوَصْلَةَ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ وَصْلَةِ النِّكَاحِ وَالْخَيْرَاتِ وَالشَّرِّ، فَإِذَا تَعَيَّنَ بِالنِّيَّةِ عُمِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute