للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَيْسَتْ كِنَايَاتٍ عَلَى التَّحْقِيقِ لِأَنَّهَا عَوَامِلُ فِي حَقَائِقِهَا، وَالشَّرْطُ تَعْيِينُ أَحَدِ نَوْعَيْ الْبَيْنُونَةِ دُونَ الطَّلَاقِ، وَانْتِقَاصُ الْعَدَدِ لِثُبُوتِ الطَّلَاقِ بِنَاءً عَلَى زَوَالِ الْوَصْلَةِ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهَا لِتَنَوُّعِ الْبَيْنُونَةِ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ،

بِحَقِيقَتِهِ، وَكَذَا مَعْنَى الْحَرَامِ وَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ مَعْلُومٌ وَالتَّرَدُّدُ فِي كَوْنِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الرِّجَالِ، فَإِذَا عَيَّنَ الْمُرَادَ بِالنِّيَّةِ عَمِلَ اللَّفْظُ بِوَضْعِهِ، وَإِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ كِنَايَةٌ مَجَازًا لِلتَّرَدُّدِ فِي ذَلِكَ الْمُتَعَلِّقِ الَّذِي بِهِ يَتَعَيَّنُ الْفَرْدُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ اللَّفْظُ.

وَالْوَجْهُ أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْكِنَايَةِ حَقِيقَةٌ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ لَا تُسَاوِي الْمَجَازَ بَلْ قَدْ تَكُونُ حَقِيقَةً لِأَنَّهَا بِتَعَدُّدِ الْمَعْنَى وَقَدْ تَكُونُ حَقِيقَةً فِيهَا، وَقَدْ حُقِّقَ فِي نَحْوِ: طَوِيلُ النِّجَادِ وَكَثِيرُ الرَّمَادِ أَنَّ الْمُرَادَ حَقِيقَةً طُولُ النِّجَادِ وَكَثْرَةُ الرَّمَادِ، لَكِنْ لَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ بَلْ لِيَعْبُرَ مِنْهُ إلَى طُولِ الْقَامَةِ وَكَثْرَةِ الْأَضْيَافِ، فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: كَوْنُهَا كِنَايَةً لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهَا مَجَازًا عَنْ الطَّلَاقِ.

وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكَّكِ، فَالْقَطْعُ الْمُتَعَلِّقُ بِالنِّكَاحِ فَرْدٌ مِنْ نَوْعٍ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ مُتَعَلِّقَهُ احْتَمَلَ كَمَا يَحْتَمِلُ رَجُلٌ كُلًّا مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَغَيْرَهُمَا.

وَالْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ: إنَّهَا عَوَامِلُ بِحَقَائِقِهَا أَوْ بِحَقِيقَةِ مَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّ نَحْوَ: حَبْلُك عَلَى غَارِبِك مَجَازٌ عَنْ التَّخْلِيَةِ وَالتَّرْكِ وَهُوَ بِالْبَيْنُونَةِ، وَكَذَا وَهَبْتُك لِأَهْلِك لِتَعَذُّرِ حَقِيقَةِ الْهِبَةِ: أَعْنِي التَّمْلِيكَ فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ رَدَدْتُك عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَقِيَاسُ الْبَاقِي سَهْلٌ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهَا الطَّلَاقُ بَلْ الْبَيْنُونَةُ لِأَنَّهَا هِيَ مَعْنَى اللَّفْظِ الدَّائِرِ فِي الْإِفْرَادِ وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَهِيَ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الثَّلَاثِ، وَخَفِيفَةٍ كَالْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْخُلْعِ فَأَيُّهُمَا أَرَادَ صَحَّ، وَيَثْبُتُ مَا يَثْبُتُ بِلَفْظِ طَالِقٍ عَلَى مَالٍ وَطَالِقٍ ثَلَاثًا.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا يَثْبُتُ عِنْدَ طَالِقٍ شَرْعًا لَازِمٌ أَعَمُّ يَثْبُتُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ

<<  <  ج: ص:  >  >>