للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْفِعْلِ مِنْهَا، وَالتَّمْلِيكَاتُ تَقْتَضِي جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، لِأَنَّ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ اُعْتُبِرَتْ سَاعَةً

الْمُغْنِي هَذَا الْقَوْلَ عَنْ عَلِيٍّ فَاعْتَرَضَ عَلَى نَقْلِ الْإِجْمَاعِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ عَلِيٍّ لَمْ تَسْتَقِرَّ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ كَقَوْلِ الْجَمَاعَةِ، وَلِذَا نَصَّ فِي بَلَاغَاتِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَائِلٌ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَجْلِسِ قَالَ: بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ فِي الرَّجُلِ يُخَيِّرُ امْرَأَتَهُ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ، فَإِذَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا فَيَكُونُ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا مِنْ قَوْلِ الْمَذْكُورِينَ وَسُكُوتِ غَيْرِهِمْ، وَأَيْنَ مَنْ نَقَلَ عَنْهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ مِمَّنْ نَقَلَ عَنْهُمْ الثَّانِيَ. وَقَوْلُهُ: فِي أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ لَا يَضُرُّ بَعْدَ تَلَقِّي الْأُمَّةِ بِالْقَبُولِ، مَعَ أَنَّ رِوَايَةَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ جَيِّدَةٌ.

وَأَمَّا التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ لِعَائِشَةَ " لَا تَعْجَلِي إلَخْ " فَضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَخْيِيرُهُ ذَلِكَ هَذَا التَّخْيِيرَ الْمُتَكَلَّمَ فِيهِ وَهِيَ أَنْ تُوقِعَ بِنَفْسِهَا بَلْ عَلَى أَنَّهَا إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا طَلَّقَهَا؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى الْآيَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ التَّخْيِيرِ مِنْهُ ﴿إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا﴾ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْفِعْلِ مِنْهَا وَالتَّمْلِيكَاتُ تَسْتَدْعِي جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ) أَوْ رَدَّ لَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَمْ يَبْقَ الزَّوْجُ مَالِكًا لِلطَّلَاقِ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الشَّيْءِ مَمْلُوكًا كُلِّهِ لِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ، فَإِنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ التَّخْيِيرِ وَقَعَ.

وَأَيْضًا لَوْ صَارَتْ مَالِكَةً كَانَ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَا يَحْنَثُ. وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ نَائِبَةً عَنْهُ لَا مَالِكَةً. وَأَيْضًا يَصِحُّ عِنْدَنَا تَوْكِيلُ الْمَدْيُونِ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ، وَهَذَا يَرُدُّ عَلَى تَعْلِيلِ كَوْنِهِ تَمْلِيكًا بِأَنَّهَا عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَالِكِ هُنَا مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْفِعْلِ لِاخْتِيَارِهِ بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>