للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَهُ أَنَّ هَذَا وَصْفٌ لَغْوٌ لِأَنَّ الْمُجْتَمِعَ فِي الْمِلْكِ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ كَالْمُجْتَمِعِ فِي الْمَكَانِ، وَالْكَلَامُ لِلتَّرْتِيبِ وَالْإِفْرَادُ مِنْ ضَرُورَاتِهِ، فَإِذَا لَغَا فِي حَقِّ الْأَصْلِ لَغَا فِي حَقِّ الْبِنَاءِ (وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت اخْتِيَارَةً فَهِيَ ثَلَاثٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لِأَنَّهَا لِلْمَرَّةِ فَصَارَ كَمَا إذَا صَرَّحَتْ بِهَا وَلِأَنَّ الِاخْتِيَارَةَ لِلتَّأْكِيدِ وَبِدُونِ التَّأْكِيدِ تَقَعُ الثَّلَاثُ فَمَعَ التَّأْكِيدِ أَوْلَى

لَمْ يَجُزْ إبْطَالُ الْآخَرِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ (قَوْلُهُ وَالْكَلَامُ لِلتَّرْتِيبِ) ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأُولَى نَعْتٌ لِمُؤَنَّثٍ فَاسْتَدْعَى مَذْكُورًا يُوصَفُ بِهِ وَالْمَذْكُورُ ضِمْنًا الِاخْتِيَارَةُ، فَكَأَنَّهَا قَالَتْ: اخْتَرْت الِاخْتِيَارَةَ أَوْ الْمَرَّةَ الْأُولَى، وَلَوْ قَالَتْ ذَلِكَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا.

وَالْآخَرُ أَنَّهَا أَتَتْ بِالتَّرْتِيبِ لَا فِيمَا يَلِيقُ وَصْفُهُ بِهِ فَيَلْغُو وَيَبْقَى قَوْلُهَا اخْتَرْت فَيَكُونُ جَوَابًا لِلْكُلِّ، وَهَذَا تَتِمُّ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: إنَّ هَذَا وَصْفُ لَغْوٍ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمَكَانِ، فَقَوْلُهُ: وَالْكَلَامُ لِلتَّرْتِيبِ ابْتِدَاءً وَجْهٌ يَتَضَمَّنُ جَوَابَ قَوْلِهِمَا إنْ كَانَ لَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ إلَخْ لَا يُطَابِقُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ. وَالْمُرَادُ بِالْكَلَامِ لَفْظُ الْأُولَى، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأُصُولِيِّينَ يُطْلِقُهُ عَلَى الْمُفْرَدِ، وَبَعْضُهُمْ يَنْسُبُهُ إلَى كُلِّهِمْ، ثُمَّ يَرِدُ عَلَيْهِ مَنْعُ أَنَّ الْإِفْرَادَ مِنْ ضَرُورَةِ التَّرْتِيبِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْأُولَى، بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَدْلُولُهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ، حَتَّى إذَا لَغَا فِي حَقِّ الْأَصْلِ لَغَا فِي حَقِّ الْبِنَاءِ وَهُوَ الْإِفْرَادُ.

وَإِذَا لَغِيَا بَقِيَ قَوْلُهَا: اخْتَرْت وَهُوَ يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْكُلِّ فَيَقَعْنَ، وَلِذَا اخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُمَا. وَالْجَوَابُ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ الْفَرْدِيَّةَ مَدْلُولٌ تَضَمُّنِيٌّ فَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ جُزْأَيْ الْمَدْلُولِ الْمُطَابِقِيِّ هُوَ الْمَقْصُودَ وَالْآخَرُ تَبَعًا كَمَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا مِنْ قَوْلِهِ: وَالْإِفْرَادُ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَيَنْتَفِي التَّبَعُ بِانْتِفَاءِ الْمَقْصُودِ وَالْوَصْفُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَضْعٌ لِذَاتٍ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى هُوَ الْمَقْصُودُ فَلَمْ يُلَاحَظْ الْفَرْدُ فِيهِ حَقِيقِيًّا أَوْ اعْتِبَارِيًّا كَالطَّائِفَةِ الْأُولَى وَالْجَمَاعَةِ الْأُولَى إلَّا مِنْ حَيْثُ هُوَ مُتَّصِفٌ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ، فَإِذَا بَطَلَتْ بَطَلَ الْكَلَامُ. وَقَدْ ضَعَّفَ بَعْضُهُمْ تَعْلِيلَ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ التَّرْتِيبَ ثَابِتٌ فِي اللَّفْظِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي الْمَعْنَى، فَصَدَقَ وَصْفُهَا بِالْأُولَى وَالْوُسْطَى إلَى آخِرِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ قَوْلَهُ: اخْتَارِي اخْتَارِي جُمْلَةٌ بَعْدَ جُمْلَةٍ. وَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا اخْتَرْت لَفْظَتَك الْأُولَى أَوْ كَلِمَتَك الْأُولَى، وَلَا مَعْنَى لَهُ أَصْلًا بَعْدَ فَرْضِ إهْدَارِ وَصْفِ الطَّلَاقِ بِهِ. وَأَبْعَدُ مِنْ هَذَا مَنْ رَامَ الدَّفْعَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَعْنَى اخْتَرْت الْإِيقَاعَ بِكَلِمَتِك الْأُولَى لِأَنَّ الْإِيقَاعَ لَا يَكُونُ بِكَلِمَتِهِ قَطُّ بَلْ بِكَلِمَتِهَا مَرِيدَةً بِهَا الطَّلَاقَ.

وَلَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي ثَلَاثًا فَقَالَتْ: اخْتَرْت اخْتِيَارَةً أَوْ الِاخْتِيَارَةَ أَوْ مَرَّةً أَوْ بِمَرَّةٍ أَوْ دَفْعَةً أَوْ بِدَفْعَةٍ أَوْ بِوَاحِدَةٍ أَوْ اخْتِيَارَةً وَاحِدَةً تَقَعُ الثَّلَاثُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ جَوَابُ الْكُلِّ، حَتَّى لَوْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>