وَلَنَا أَنَّ هَذَا تَصَرُّفُ يَمِينٍ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ قِيَامُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْوُقُوعَ عِنْدَ الشَّرْطِ وَالْمِلْكُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ عِنْدَهُ وَقَبْلَ ذَلِكَ أَثَرُهُ الْمَنْعُ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْمُتَصَرِّفِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ التَّنْجِيزِ،
أَمَّا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُظَاهِرًا مَعَ الْعُمُومِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَرْتَفِعُ بِالتَّكْفِيرِ. وَعِنْدَنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعُمُومِ وَذَلِكَ الْخُصُوصِ إلَّا أَنَّ صِحَّتَهُ فِي الْعُمُومِ مُطْلَقٌ، يَعْنِي لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعَلِّقَ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ أَوْ بِمَعْنَاهُ، وَفِي الْمُعَيَّنَةِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ، فَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ عَرَّفَهَا بِالْإِشَارَةِ فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهَا الصِّفَةُ: أَعْنِي أَتَزَوَّجُهَا، بَلْ الصِّفَةُ فِيهَا لَغْوٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ: هَذِهِ طَالِقٌ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْت هَذِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالسَّبَبِ فِي الْمُحِيطِ.
لَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَجْتَمِعُ مَعَهَا فِي فِرَاشٍ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا تَطْلُقُ، وَكَذَا كُلُّ جَارِيَةٍ أَطَؤُهَا حُرَّةٌ فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا لَا تَعْتِقُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يُضَفْ إلَى الْمِلْكِ.
وَلَوْ قَالَ: نِصْفُ الْمَرْأَةِ الَّتِي تُزَوِّجُنِيهَا طَالِقٌ فَزَوَّجَهُ امْرَأَةً بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَمْ يَصِحَّ. وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُهُ بَدَلًا أَوْ شَرْطًا. وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ. وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ. تَمَسَّكَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ ﷺ «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ ﷺ «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ وَلَا عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ» وَعِنْدَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى مِنْ عَلِيٍّ ﵁ يَرْفَعُهُ «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» انْتَهَى، وَفِيهِ جُوَيْبِرٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهُ ﷺ «لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: يَوْمَ أَتَزَوَّجُ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، قَالَ: طَلَّقَ مَا لَا يَمْلِكُ» وَأَخْرَجَ أَيْضًا «عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ: قَالَ عَمٌّ لِي: اعْمَلْ لِي عَمَلًا حَتَّى أُزَوِّجَكَ ابْنَتِي، فَقُلْتُ: إنْ تَزَوَّجْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أَتَزَوَّجَهَا، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لِي: تَزَوَّجْهَا فَإِنَّهُ لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ النِّكَاحِ، قَالَ فَتَزَوَّجْتُهَا فَوَلَدَتْ لِي سَعْدًا وَسَعِيدًا».
وَلَنَا أَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ لِمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَيَلْزَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute