يَقُولَ: إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ فَقَالَتْ: قَدْ حِضْت طَلُقَتْ هِيَ وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةُ) وَوَقَعَ الطَّلَاقُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَلَا تُصَدَّقُ كَمَا فِي الدُّخُولِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا إذْ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا كَمَا قُبِلَ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ وَالْغَشَيَانِ لَكِنَّهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا بَلْ هِيَ مُتَّهَمَةٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّهَا
اللَّهُ تَعَالَى. وَعَنْ أَحْمَدَ لَا يَقَعُ وَتَخْتَبِرُهَا النِّسَاءُ بِإِدْخَالِ قُطْنَةٍ فِي فَرْجِهَا فِي زَمَانِ قَالَتْ ذَلِكَ. وَدُفِعَ بِأَنَّهَا أَمِينَةٌ مَأْمُورَةٌ بِإِظْهَارِ مَا فِي رَحِمِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾ تَحْرِيمُ كِتْمَانِهَا أَمْرٌ بِالْإِظْهَارِ.
وَفَائِدَةُ الْأَمْرِ بِالْإِظْهَارِ تَرْتِيبُ أَحْكَامِ الْمُظْهِرِ، وَهُوَ فَرْعُ قَبُولِهِ مَعَ أَنَّ إدْخَالَ الْقُطْنَةِ لَا يُوصِلُ إلَى عِلْمٍ وَلَا ظَنٍّ لِجَوَازِ أَخْذِ دَمٍ مِنْ الْخَارِجِ تَحَمَّلَتْ بِهِ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةُ) هَذَا إذَا كَذَّبَهَا، أَمَّا إذَا صَدَّقَهَا طَلُقَتْ فُلَانَةُ أَيْضًا، وَكَذَا فِي جَمِيعِ نَظَائِرِهِ (قَوْلُهُ كَمَا قُبِلَ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ) أَيْ انْقِضَائِهَا، حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ لَمْ يُرَاجِعْهَا فَقَالَتْ لَهُ بَعْدَ مُدَّةٍ تَحْتَمِلُ صِدْقَهَا قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي انْقَطَعَ حَقُّ الرَّجْعَةِ، أَوْ قَالَتْ لِرَجُلٍ آخَرَ: انْقَضَتْ عِدَّتِي مِنْ فُلَانٍ وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ جَازَ لَهُ تَزَوُّجُهَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا (وَالْغَشَيَانُ) أَيْ حِلُّ الْوَطْءِ وَحُرْمَتُهُ، فَلَوْ قَالَتْ: أَنَا حَائِضٌ حَرُمَ أَوْ طَاهِرٌ حَلَّ، أَوْ قَالَتْ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا: تَزَوَّجْت بِثَانٍ وَغَشِيَنِي حَلَّتْ لَهُ. لَا يُقَالُ: إمَّا أَنْ تَكُونَ حَاضَتْ أَوْ لَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَقَعُ عَلَيْهِمَا، وَعَلَى الثَّانِي لَا يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا.
لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَنْظُورُ إلَيْهِ فِي حَقِّهَا شَرْعًا الْإِخْبَارُ بِهِ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ وَفِي حَقِّ ضَرَّتِهَا حَقِيقَتُهُ وَشَهَادَتُهَا عَلَى ذَلِكَ شَهَادَةُ فَرْدٍ وَإِخْبَارُهَا بِهِ لَا يَسْرِي فِي حَقِّهَا مَعَ التَّكْذِيبِ، وَلَا بَعْدُ فِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ الْإِنْسَانِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا غَيْرِهِ، كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى نَصِيبِهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْبَاقُونَ، وَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ بِالْمَبِيعِ لِمُسْتَحِقٍّ لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ، هَذَا وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إذَا أَخْبَرَتْ بِالْحَيْضِ وَهُوَ قَائِمٌ، أَمَّا بَعْدَ الِانْقِطَاعِ فَلَا لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الشَّرْطِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ حِضْت حَيْضَةً حَيْثُ يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، حَتَّى لَوْ قَالَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ حِضْت وَطَهُرْت وَأَنَا الْآنَ حَائِضٌ بِحَيْضَةٍ أُخْرَى لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَلَا يَقَعُ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ الشَّرْطِ حَالَ عَدَمِهِ، وَلَا يَقَعُ إلَّا إذَا أَخْبَرَتْ فِي الطُّهْرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْحَيْضَةِ فَحِينَئِذٍ يَقَعُ، وَهَذَا لِأَنَّهَا جُعِلَتْ أَمِينَةً شَرْعًا فِيمَا تُخْبِرُ مِنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ضَرُورَةَ إقَامَةِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِمَا فَلَا تَكُونُ مُؤْتَمَنَةً حَالَ عَدَمِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إذَا حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَقَالَتَا: حِضْنَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُمَا، فَإِنْ صَدَّقَ إحْدَاهُمَا وَكَذَّبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute