للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ فَقَالَتْ أُحِبُّهُ)

أَوْ قَالَ: (إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذِهِ مَعَك فَقَالَتْ: أُحِبُّك) (طَلُقَتْ هِيَ وَلَمْ يُعْتَقْ الْعَبْدُ وَلَا تَطْلُقُ صَاحِبَتُهَا) لِمَا قُلْنَا، وَلَا يُتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا لِأَنَّهَا لِشِدَّةِ بُغْضِهَا إيَّاهُ قَدْ تُحِبُّ التَّخْلِيصَ مِنْهُ بِالْعَذَابِ،

الْأُخْرَى طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ، وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا فَقَالَ ذَلِكَ فَقُلْنَ: حِضْنَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُنَّ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَ إحْدَاهُنَّ فَإِنْ صَدَّقَ ثِنْتَيْنِ فَقَطْ طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ دُونَ الْمُصَدَّقَاتِ. وَلَوْ كُنَّ أَرْبَعًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَطْلُقْنَ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُنَّ. وَكَذَا إنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ، وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا فَقَطْ طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ دُونَ الْمُصَدَّقَاتِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ حَيْضَ الْكُلِّ شَرْطٌ لِلْوُقُوعِ عَلَيْهِنَّ فَلَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ حَتَّى يَحِضْنَ جَمِيعًا، وَإِنْ حَاضَ بَعْضُهُنَّ يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ فَلَا يَثْبُتُ، وَإِنْ قُلْنَ جَمِيعًا: حِضْنَا لَا يَثْبُتُ حَيْضُ كُلِّ وَاحِدَةٍ إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَإِنْ صَدَّقَ الْبَعْضَ وَكَذَّبَ الْبَعْضَ نَظَرَ، فَإِنْ كَانَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَاحِدَةً طَلُقَتْ هِيَ وَحْدَهَا لِتَمَامِ الشَّرْطِ فِي حَقِّهَا لِأَنَّ قَوْلَهَا مَقْبُولٌ فِي نَفْسِهَا وَقَدْ صَدَّقَ غَيْرَهَا فَتَمَّ الشَّرْطُ فِيهَا وَلَا تَطْلُقُ غَيْرُهَا لِأَنَّ الْمُكَذَّبَةَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي غَيْرِهَا فَلَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ فِي الْغَيْرِ، وَإِنْ كَذَّبَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُكَذَّبَاتِ لَمْ يَثْبُتْ حَيْضُهَا إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهَا فَكَانَ الْمَوْجُودُ بَعْضَ الشَّرْطِ فَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ حَتَّى يُصَدَّقَ مَنْ سِوَاهَا جَمِيعًا.

(قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ، إلَى قَوْلِهِ: لِمَا بَيَّنَّا) يُرِيدُ أَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ نُزُولُ الْجَزَاءِ بِاعْتِبَارِ خَبَرِهَا بِنَاءً عَلَى احْتِمَالِ صِدْقِهَا، فَأُمِنَا هُنَا فَكَذِبُهَا مُتَيَقَّنٌ فَكَيْفَ نَحْكُمُ بِالْجَزَاءِ مَعَ الْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ. أَجَابَ بِمَنْعِ تَيَقُّنِهِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَبْلُغُ بِهِ ضِيقُ الصَّدْرِ وَعَدَمُ الصَّبْرِ وَسُوءُ الْحَالِ إلَى دَرَجَةٍ يُحِبُّ الْمَوْتَ فِيهَا فَجَازَ أَنْ تَحْمِلَهَا شِدَّةُ بُغْضِهَا مَعَ غَلَبَةِ الْجَهْلِ وَعَدَمِ الذَّوْقِ لِلْعَذَابِ فِي الْحَالِ عَلَى تَمَنِّي الْخَلَاصِ مِنْهُ بِالْعَذَابِ.

وَلَوْ قَالَ: إنْ كُنْت تُحِبِّينِي بِقَلْبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ: أُحِبُّك كَاذِبَةً طَلُقَتْ قَضَاءً وَدَيَّانَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ بِالْقَلْبِ فَذِكْرُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ فَصَارَ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا إنْ صَدَقَتْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَحَبَّةِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانُ خَلَفٌ عَنْهُ، وَتَقْيِيدُهُ بِالْأَصْلِ يُبْطِلُ الْخُلُقِيَّةَ. قُلْنَا: بَلْ عَدَمُ إمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَى مَا فِي قَلْبِهَا أَوْجَبَ النَّقْلَ إلَى الْخَلَفِ مُطْلَقًا فَاسْتَوَى التَّقْيِيدُ وَعَدَمُهُ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحَبَّةَ بِالْقَلْبِ لَا تُعْتَبَرُ وَإِنْ أَمْكَنَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كُنْت أَنَا أُحِبُّ كَذَا ثُمَّ قَالَ: لَسْت أُحِبُّهُ كَاذِبًا فَهِيَ امْرَأَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَاسْتَشْكَلَ السَّرَخْسِيُّ هَذَا بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا فِي قَلْبِهَا فَإِنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِ نَفْسِهِ، لَكِنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا إذْ الْقَلْبُ مُتَقَلِّبٌ لَا يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ، فَالْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَةِ الْمَحَبَّةِ مُتَعَذِّرٌ، وَالْأَحْكَامُ إنَّمَا تُنَاطُ بِالْأُمُورِ

<<  <  ج: ص:  >  >>