للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فَتَصِحُّ الْيَمِينُ وَعِنْدَ تَمَامِ الشَّرْطِ لِيَنْزِلَ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ إلَّا فِي الْمِلْكِ، وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ

فِي الْأَوَّلِ غَالِبَ الْوُجُودِ بِتَقْدِيرِ الشَّرْطِ نَظَرًا إلَى ظُهُورِ الِاسْتِصْحَابِ وَمُتَيَقَّنُهُ فِي الثَّانِي، فَيَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْإِخَافَةُ الْحَامِلَةُ عَلَى الِامْتِنَاعِ أَوْ الْفِعْلِ، فَإِذَا تَمَّتْ لَا يُحْتَاجُ فِي بَقَائِهَا إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ بَقَاءَهَا بَعْدَ تَحَقُّقِ حَقِيقَتِهَا بِقِيَامِ الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِوُقُوعِ الْحِنْثِ وَالْحِنْثُ لَا يَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ الْأَخِيرِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْمِلْكُ إلَّا عِنْدَهُ، وَهَذَا مَا وَعَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ.

وَأَمَّا الشَّرْطَانِ فَتَحَقُّقُهُمَا حَقِيقَةً بِتَكْرَارِ أَدَاتِهِمَا وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ بِوَاوٍ وَبِغَيْرِهِ، أَمَّا الثَّانِي فَكَقَوْلِهِ إنْ أَكَلْت إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَلْبَسْ ثُمَّ تَأْكُلْ فَتَقَدَّمَ الْمُؤَخَّرُ وَهَذَا الَّذِي سَمَّاهُ مُحَمَّدٌ اعْتِرَاضُ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ. وَصُورَتُهُ فِي الْجَامِعِ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إنْ كَلَّمَتْ فُلَانًا فَهِيَ طَالِقٌ يُقَدَّمُ الْمُؤَخَّرُ فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ وَاسْتَغْنَى عَنْ اللِّقَاءِ بِتَقْدِيمِ الْجَزَاءِ، فَالْكَلَامُ شَرْطُ الِانْعِقَادِ وَالتَّزَوُّجُ شَرْطُ الِانْحِلَالِ، وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾ الْمَعْنَى: إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ فَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ وقَوْله تَعَالَى ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا﴾ فَالْجَوَابُ أَحْلَلْنَا لَك امْرَأَةً مُؤْمِنَةً بَعْدَ هِبَتِهَا نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ؛ فَالْمَعْنَى: إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَنْكِحَ مُؤْمِنَةً وَهَبَتْ نَفْسَهَا فَقَدْ أَحْلَلْنَاهَا.

قِيلَ وَيَحْتَمِلُ تَأَخُّرَ إرَادَتِهِ لِأَنَّهَا كَالْقَبُولِ، فَالْمَعْنَى: إنْ وَهَبَتْ مُؤْمِنَةٌ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ فَإِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ: أَيْ قَبْلَ أَحْلَلْنَاهَا. وَوَجْهُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الشَّرْطَانِ شَرْطًا وَاحِدًا لِنُزُولِ الْجَزَاءِ لِعَدَمِ الْعَطْفِ وَإِنْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَأَقَرَّ كُلَّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ وَهُوَ رَأْيُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْدِيرِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَالْكَلَامُ فِي مُوجِبِ اللَّفْظِ وَلَا الشَّرْطُ الثَّانِي مَعَ مَا بَعْدَهُ هُوَ الْجَزَاءُ لِلْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْفَاءِ الرَّابِطَةِ وَنِيَّةُ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَخَفُّ مِنْ إضْمَارِ الْحَرْفِ لِأَنَّهُ تَصْحِيحٌ لِلْمَنْطُوقِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ آخَرَ فَكَانَ قَوْلُهُ إنْ أَكَلْت مُقَدَّمًا مِنْ تَأْخِيرٍ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ الْجَوَابِ الْمُتَأَخِّرِ، وَالتَّقْدِيرُ إنْ لَبِسْت فَإِنْ أَكَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ لُزُومِ التَّنْجِيزِ فِي مِثْلِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ.

وَعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ لُزُومِ إضْمَارِ الْفَاءِ يَجِبُ أَنْ لَا يُعْكَسَ التَّرْتِيبُ. وَفِي التَّجْرِيدِ لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمِلْكِ عِنْدَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ كَلَّمَتْ فُلَانًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ طَلُقَتْ انْتَهَى. وَهُوَ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَكَانَ الْمُتَقَدِّمُ شَرْطَ الِانْحِلَالِ فَيُعْتَبَرُ الْمِلْكُ عِنْدَهُ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ: إنْ أَعْطَيْتُك إنْ وَعَدْتُك إنْ سَأَلْتنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَسْأَلَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَعِدُهَا ثُمَّ يُعْطِيهَا لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَطِيَّةِ الْوَعْدَ وَفِي الْوَعْدِ السُّؤَالَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ سَأَلْتَنِي إنْ وَعَدْتُك إنْ أَعْطَيْتُك، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَمِنْ الْحَنَابِلَةِ مَنْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ بِإِذَا، فَإِنْ كَانَ بِإِنْ تَطْلُقَ لِوُجُودِهِمَا كَيْفَ كَانَ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي ذَلِكَ " إذَا " لَا " إنْ ".

وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ ذَكَرَ بِكَلِمَةِ إنْ أَوْ مَتَى فَأَيُّهُمَا قَدِمَ أَوَّلًا يَقَعُ الطَّلَاقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>