الْحَالُ حَالُ بَقَاءِ الْيَمِينِ فَيُسْتَغْنَى عَنْ قِيَامِ الْمِلْكِ إذْ بَقَاؤُهُ بِمَحَلِّهِ وَهُوَ الذِّمَّةُ.
(وَإِنْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا آخَرَ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ فَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: هِيَ طَالِقٌ مَا بَقِيَ مِنْ الطَّلَاقِ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ. وَأَصْلُهُ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ عِنْدَهُمَا فَتَعُودُ إلَيْهِ بِالثَّلَاثِ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ فَتَعُودُ إلَيْهِ مَا بَقِيَ،
وَلَا يُنْتَظَرُ قُدُومُ الْآخَرِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ يَمِينٌ تَامٌّ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي لَا جَزَاءَ لَهُ، فَإِذَا عُطِفَ عَلَى شَرْطٍ تَعَلَّقَ بِهِ جَزَاؤُهُ: أَيْ تَعَلَّقَ جَزَاؤُهُ بِعَيْنِهِ بِهِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ تِلْكَ التَّطْلِيقَةَ، فَلِذَا لَوْ قَدِمَا مَعًا لَمْ يَقَعْ إلَّا طَلَاقٌ وَاحِدٌ، وَكَذَا إذَا خَلَّلَ الْجَزَاءَ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ فَقَالَ: إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ أَيُّهُمَا سَبَقَ وَقَعَ، ثُمَّ لَا يَقَعُ عِنْدَ الشَّرْطِ الثَّانِي شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يَقَعَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ تَطْلِيقَةٌ فَتَقَعُ أُخْرَى عِنْدَ الثَّانِي، وَإِنْ أَخَّرَ الْجَزَاءَ فَقَالَ: إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَقَعُ حَتَّى يَقْدُمَا لِأَنَّهُ عَطَفَ شَرْطًا مَحْضًا عَلَى شَرْطٍ لَا حُكْمَ لَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الْجَزَاءَ فَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا فَصَارَ شَرْطًا وَاحِدًا فَلَا يَقَعُ إلَّا بِوُجُودِهِمَا، لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ بِأَوَّلِهِمَا صَارَ عَطْفًا عَلَى الْيَمِينِ كَالْأَوَّلِ لَا عَلَى الشَّرْطِ فَقَطْ، فَإِنْ نَوَى وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِأَحَدِهِمَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ بِنِيَّةِ تَقْدِيمِ الْجَزَاءِ عَلَى أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ، وَفِيهِ تَغْلِيظٌ عَلَى نَفْسِهِ، فَأَمَّا إذَا عَطَفَ بِلَا أَدَاةِ شَرْطٍ كَانَ الْمَجْمُوعُ شَرْطًا وَاحِدًا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ نَوَى إضْمَارًا كَلِمَةَ الشَّرْطِ، كَذَا فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ.
[تَنْبِيهٌ]
يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الشَّرْطِ الِاتِّصَالُ كَالِاسْتِثْنَاءِ، وَعُرُوضُ اللَّغْوِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَزَاءِ فَاصِلٌ يُبْطِلُ التَّعْلِيقَ.
وَفِي الْجَامِعِ: لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ يَتَعَلَّقُ اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَغْوٌ كَقَوْلِهِ حُرٌّ وَحُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَوْلِهِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ، بِخِلَافِ وَحُرٌّ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ بِلَفْظِهِ لَا يَكُونُ بِالْوَاوِ، فَإِنَّمَا يُشَاكِلُهُ حُرٌّ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَا يُعْتَقُ فِيهِ. وَأَجْمَعُوا أَنَّ السُّكُوتَ وَالْعَطْفَ لَا يَمْنَعَانِ الْعَطْفَ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ لِأَنَّ الْعَطْفَ غَيْرُ مُغَيِّرٍ بَلْ مُقَرَّرٌ، بِخِلَافِ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ، وَإِذَا تَعَقَّبَ الشَّرْطُ أَجْزِيَةً لَيْسَتْ أَيْمَانًا تَامَّةً ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَرِيبِ قَيْدِ الْكُلِّ. وَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدُهُ حُرٌّ وَإِنْ كَلَّمْت فُلَانًا يَتَعَلَّقُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِهِ، وَعَنْ هَذَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ وَثَلَاثًا وَأَرْبَعًا إنْ دَخَلَتْ صَحَّ التَّعْلِيقُ فَيَتَعَلَّقُ الثَّلَاثُ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ إلَخْ) فَائِدَةُ الْخِلَافِ لَا تَظْهَرُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ لِلِاتِّفَاقِ فِيهَا عَلَى وُقُوعِ الثَّلَاثِ. أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّ الْبَاقِيَ وَاحِدَةٌ بِهَا يَكْمُلُ الثَّلَاثُ.
وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالثَّلَاثُ الْمُعَلَّقَةُ بِوَاسِطَةِ مِلْكِهِ ثِنْتَيْنِ بِالْهَدْمِ مَعَ الْوَاحِدَةِ الْبَاقِيَةِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ نَجَزَ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ؛ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ﵀ تَعَالَى تَحْرُمُ حُرْمَةً غَلِيظَةً، وَعِنْدَهُمَا لَا إذْ يَمْلِكُ بَعْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute