لِقَوْلِهِ ﷺ «مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَّصِلًا بِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ»
كُلِّهَا، سَوَاءٌ أَضَافَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلْإِيقَاعِ كَقَوْلِهِ طَالِقٌ لِدُخُولِك الدَّارَ.
وَإِنْ قَالَ بِحَرْفِ " فِي " إنْ أَضَافَهُ إلَيْهِ تَعَالَى لَا يَقَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَّا فِي قَوْلِهِ طَالِقٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ فِي بِمَعْنَى الشَّرْطِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا بِمَا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَلَا يَقَعُ إلَّا فِي الْعِلْمِ لِأَنَّهُ يَذْكُرُ لِلْمَعْلُومِ وَهُوَ وَاقِعٌ، وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُ تَعَالَى بِحَالٍ فَكَانَ تَعْلِيقًا بِأَمْرٍ مَوْجُودٍ فَيَكُونُ تَنْجِيزًا، وَلَا يَلْزَمُ الْقُدْرَةُ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا هُنَا التَّقْدِيرُ، وَقَدْ يُقَدِّرُ شَيْئًا وَقَدْ لَا يُقَدِّرُهُ، حَتَّى لَوْ أَرَادَ حَقِيقَةَ قُدْرَتِهِ تَعَالَى يَقَعُ فِي الْحَالِ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُرَادَ الْعِلْمُ عَلَى مَفْهُومِهِ، وَإِذَا كَانَ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى أَنَّهَا طَالِقٌ فَهُوَ فَرْعٌ تَحَقَّقَ طَلَاقًا، وَكَذَا نَقُولُ الْقُدْرَةُ عَلَى مَفْهُومِهَا وَلَا يَقَعُ، لِأَنَّ مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى: أَيْ فِي قُدْرَتِهِ تَعَالَى وُقُوعُهُ وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ سَبْقَ تَحَقُّقِهِ. يُقَالُ لِلْفَاسِدِ الْحَالِ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ صَلَاحُهُ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقُهُ فِي الْحَالِ. وَفِيهِ أَيْضًا: وَإِنْ أَضَافَ إلَى الْعَبْدِ بِفِي كَانَ تَمْلِيكًا فِي الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ وَمَا بِمَعْنَاهَا مِنْ الْهَوَى وَالرُّؤْيَةِ تَعْلِيقًا فِي السِّتَّةِ الْأَوَاخِرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْجِيزِ بِقَوْلِهِ فِي عِلْمِ اللَّهِ يَأْتِي فِي قَوْلِهِ فِي إرَادَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ فَيَلْزَمُ الْوُقُوعُ، بِخِلَافِ تَوْجِيهِنَا.
وَلَوْ قَالَ: طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ وَثِنْتَيْنِ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَحِقَهُ الِاسْتِثْنَاءُ فَبَطَلَ، وَالثَّانِي بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَشَاءَ اللَّهُ فَيُعْدَمُ الشَّرْطُ فَلَمْ يَقَعْ فَكَانَ فِي تَصْحِيحِهِ إبْطَالُهُ؛ وَلَوْ قَالَ: طَالِقٌ وَاحِدَةً الْيَوْمَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ فَثِنْتَيْنِ فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا وَقَعَ ثِنْتَانِ، لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْوَاحِدَةَ فِي الْيَوْمِ لَطَلَّقَهَا فِيهِ فَيَثْبُتُ أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ الْوَاحِدَةَ فَتَحَقَّقَ شَرْطُ وُقُوعِ الثِّنْتَيْنِ وَهُوَ عَدَمُ مَشِيئَتِهِ تَعَالَى الْوَاحِدَةَ بِخِلَافِ السَّابِقَةِ لِأَنَّ شَرْطَ وُقُوعِ الثِّنْتَيْنِ فِيهَا عَدَمُ مَشِيئَتِهَا فَلَا يُمْكِنُ وُقُوعُهَا مَعَ عَدَمِ مَشِيئَتِهِ تَعَالَى ﷿، وَالْمَسْأَلَتَانِ مَذْكُورَتَانِ فِي النَّوَازِلِ وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى: لَوْ قَالَ: طَالِقٌ الْيَوْمَ ثِنْتَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ فِي الْيَوْمِ فَطَالِقٌ ثَلَاثًا فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّاهُ.
وَقَالَ: لَوْ لَمْ يُقَيِّدْ بِالْيَوْمِ فِي الْيَمِينَيْنِ فَهُوَ إلَى الْمَوْتِ، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا طَلُقَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ ثَلَاثًا بِلَا فَصْلٍ، وَقَدْ ظَنَّ أَنَّهُ مُخَالِفُ مَسْأَلَةِ النَّوَازِلِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمُنْتَقَى تَعْلِيقُ الثَّلَاثِ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى التَّطْلِيقَتَيْنِ وَقَدْ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَوْتِ، إذْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى التَّطْلِيقَتَيْنِ لِأَوْقَعَهُمَا الزَّوْجُ.
وَفِي مَسْأَلَةِ النَّوَازِلِ تَعْلِيقُ التَّطْلِيقَتَيْنِ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ إيَّاهُمَا فَلَا يَقَعَانِ أَبَدًا (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ ﷺ «مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ» إلَخْ) غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَمَعْنَاهُ مَرْوِيٌّ. أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى» لَفْظُ النَّسَائِيّ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ «فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ» وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ رَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنَ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرَ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ. وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: كَانَ أَيُّوبُ أَحْيَانًا يَرْفَعُهُ وَأَحْيَانًا لَا يَرْفَعُهُ اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الرَّفْعِ لِمَا قَدَّمْنَا فِي نَظَائِرِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ تَعَارُضِ الْوَقْفِ وَالرَّفْعِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَالِكًا ﵀ يَقُولُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مَعَ لَفْظِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ الْمُورَدِ فِي الْيَمِينِ لَا يَتِمُّ فِي مُجَرَّدِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَسَنُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ. وَأَمَّا مَا أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي يَحْيَى الْكَعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ لِغُلَامِهِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ عَلَى الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute