وَلِأَنَّهُ أَتَى بِصُورَةٍ الشَّرْطِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّهُ إعْدَامٌ قَبْلَ الشَّرْطِ وَالشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ هَاهُنَا فَيَكُونُ إعْدَامًا مِنْ الْأَصْلِ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِهِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الشُّرُوطِ (وَلَوْ سَكَتَ ثَبَتَ حُكْمُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ)
وَهُوَ مَعْلُولٌ بِإِسْحَاقَ، هَذَا نُقِلَ تَضْعِيفُهُ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ وَلَمْ يُعْلَمْ تَوْثِيقُهُ عَنْ غَيْرِهِمَا. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «مَنْ طَلَّقَ وَاسْتَثْنَى فَلَهُ ثُنْيَاهُ» ضَعَّفَهُ عَبْدُ الْحَقِّ بِحُمَيْدٍ، وَتَعَدُّدُ طُرُقِ الضَّعِيفِ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُهُ إلَى الْحَسَنِ إذَا لَمْ يَكُنْ ضَعْفُهُ بِالْوَضْعِ، لَكِنْ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ التَّعَدُّدِ لَا يَكْفِي (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ أَتَى بِصُورَةِ الشَّرْطِ) أَيْ بِحَرْفِهِ دُونَ حَقِيقَتِهِ لِأَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى إمَّا ثَابِتَةٌ قَطْعًا أَوْ مُنْتَفِيَةٌ قَطْعًا فَلَا تَرَدُّدَ فِي حُكْمِهَا، وَمَا يَكُونُ كَذَلِكَ فَهُوَ تَعْلِيقٌ (فَيَكُونُ تَعْلِيقًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ.
(وَأَنَّهُ إعْدَامٌ) أَيْ التَّعْلِيقُ إعْدَامُ الْعَلِيَّةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ (قَوْلُهُ وَالشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ هُنَا فَيَكُونُ إعْدَامًا مِنْ الْأَصْلِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ إبْطَالٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ وَقَالَ:
إذَا شَابَ الْغُرَابُ أَتَيْت أَهْلِي … وَعَادَ الْقَارُ كَاللَّبَنِ الْحَلِيبِ
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَعْلِيقٌ مُلَاحَظَةً لِلصِّيغَةِ وَهُمَا لَاحَظَا الْمَعْنَى وَهُوَ أَوْلَى، وَقَدْ نُقِلَ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى عَكْسِهِ.
وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ عَلَى التَّعْلِيقِ لِعَدَمِ الْفَاءِ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِهَا فَلَا يَتَعَلَّقُ وَلَا تَطْلُقُ عَلَى الْإِبْطَالِ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنَّفِ عَكْسُ هَذَا، وَهُوَ غَلَطٌ فَاجْتَنِبْهُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ يَمِينَيْنِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَعَبْدِي حُرٌّ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَعَلَى التَّعْلِيقِ يَعُودُ إلَى الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ، فَلَوْ كَلَّمَتْ زَيْدًا لَا يَقَعُ، وَلَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ يَقَعُ، وَعَلَى الْإِبْطَالِ إلَى الْكُلِّ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالْإِبْطَالِ، فَلَوْ كَلَّمَتْ زَيْدًا أَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ لَا يَقَعُ، وَلَوْ أَدْخَلَهُ فِي الْإِيقَاعَيْنِ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ فَلَا تَطْلُقُ وَلَا يُعْتَقُ بِالْإِجْمَاعِ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِمَا قُلْنَا مِنْ عَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالْإِبْطَالِ.
وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ كَالشَّرْطِ وَالشَّرْطُ إذَا دَخَلَ عَلَى إيقَاعَيْنِ يَتَعَلَّقَانِ بِهِ، وَفِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ وَقَالَهُ حَنِثَ عَلَى التَّعْلِيقِ لَا الْإِبْطَالِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنَّهُ عَزَى إلَيْهِ الْإِبْطَالَ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ إبْطَالٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَكَتَ ثَبَتَ حُكْمُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ) أَيْ إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute