. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
سَكَتَ كَثِيرًا بِلَا ضَرُورَةٍ بِخِلَافِهِ بِجُشَاءٍ أَوْ تَنَفُّسٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَكَتَ قَدْرَ التَّنَفُّسِ ثُمَّ اسْتَثْنَى لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ لِلْفَصْلِ وَلِلْفَصْلِ اللَّغْوِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، لِأَنَّ التَّكْرَارَ لِلتَّأْكِيدِ شَائِعٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ وَهُوَ يَقُولُ قَوْلُهُ وَثَلَاثًا لَغْوٌ فَيَقَعُ فَاصِلًا فَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَحُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَلَوْ قَالَ: حُرٌّ حُرٌّ بِلَا وَاوٍ وَاسْتَثْنَى لَا يُعْتَبَرُ فَاصِلًا بِلَا خِلَافٍ لِظُهُورِ التَّأْكِيدِ. وَقِيَاسُهُ إذَا كَرَّرَ ثَلَاثًا بِلَا وَاوٍ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ. وَلَوْ قَالَ: عَبْدُهُ حُرٌّ وَعَتِيقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ فَلَا يُعْتَقُ، بِخِلَافِ حُرٌّ وَحُرٌّ لِأَنَّ الْعَطْفَ التَّفْسِيرِيَّ إنَّمَا يَكُونُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْأَوَّلِ فَلَا يَصِحُّ، وَحُرٌّ لِقَوْلِهِ حُرٌّ تَفْسِيرًا فَكَانَ فَاصِلًا بِخِلَافِ حُرٌّ وَعَتِيقٌ، وَمِثْلُ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ كَقَوْلِهِ طَالِقٌ أَرْبَعًا إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَلَوْ قَالَ: طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَغْوًا لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ تَكْمِيلُ الْأَوَّلِ. وَلَوْ قَالَ: ثَلَاثًا بَوَائِنَ أَوْ أَلْبَتَّةَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ مَعَ الثَّلَاثِ لَغْوٌ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ هَذَا وَيَتَرَاءَى خِلَافٌ فِي الْفَصْلِ بِالذِّكْرِ الْقَلِيلِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي النَّوَازِلِ: لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إنْ شَاءَ اللَّهُ هُوَ مُسْتَثْنٍ دِيَانَةً لَا قَضَاءً. وَفِي الْفَتَاوَى: لَوْ أَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَ رَجُلًا وَيَخَافَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ فِي السِّرِّ يُحَلِّفُهُ وَيَأْمُرُهُ أَنْ يَذْكُرَ عَقِيبَ الْيَمِينِ مَوْصُولًا سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْكَلَامِ.
وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْفَصْلِ بِالذِّكْرِ، وَلَوْ كَانَ بِلِسَانِهِ ثِقَلٌ وَطَالَ تَرَدُّدُهُ ثُمَّ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ فَسَدَ إنْسَانٌ فَاهُ سَاعَةً ثُمَّ أَطْلَقَهُ فَاسْتَثْنَى مُتَّصِلًا بِرَفْعِهِ صَحَّ. وَعَنْ هِشَامٍ: سَأَلْت مُحَمَّدًا عَمَّنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ فَأَمْسَكَتْ فَاهُ قَالَ: يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً: يَعْنِي إذَا لَمْ يَسْتَثْنِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ، وَلَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ الْفَصْلِ، وَاشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْأَرْبَعَةُ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَوَازُهُ إلَى سَنَةٍ. وَعَنْهُ أَبَدًا.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ تَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ اسْتِدْلَالًا بِحَدِيثِ «سُلَيْمَانَ ﵇ لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً كُلٌّ تَلِدُ غُلَامًا فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: يَعْنِي الْمَلَكَ، قُلْ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَنَسِيَ إلَى آخِرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْ قَالَهَا لَقَاتَلُوا جَمِيعًا» قُلْنَا: يَحْتَمِلُ قَوْلَ الْمَلَكِ لَهُ قَبْلَ فَرَاغِهِ، وَقَوْلُهُ ﷺ «لَوْ قَالَهَا»: يَعْنِي مُتَّصِلًا.
وَاسْتَدَلَّ الْمُطْلِقُونَ بِظَوَاهِرَ مِنْهَا «أَنَّهُ ﷺ قَالَ فِي مَكَّةَ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا الْحَدِيثُ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ ﵁: إلَّا الْإِذْخِرَ، فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ: إلَّا الْإِذْخِرَ» وَمِنْهَا أَنَّهُ «قَالَ فِي أَسْرَى بَدْرٍ: لَا يَفْلِتُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إلَّا سُهَيْلَ بْنَ الْبَيْضَاءَ، فَقَالَ: إلَّا سُهَيْلَ بْنَ الْبَيْضَاءِ» وَمَا أُجِيبَ بِهِ عَنْ هَذَيْنِ بِأَنَّهُ كَانَ عَلَى جِهَةِ النَّسْخِ دُفِعَ بِأَنَّهُ بِإِلَّا وَهِيَ تُؤْذِنُ بِاتِّصَالِ مَا بَعْدَهَا بِمَا قَبْلَهَا، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرَّفْعُ بِنَفْسِ لَفْظِ الْقَائِلِ إيذَانًا بِأَنَّهُ وَافَقَ الشَّرْعَ الْمُتَجَدِّدَ، وَفِي الْعُرْفِيَّاتِ مِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فَيُقَدَّرُ لَهُ جُمْلَةٌ تُشَاكِلُ الْأُولَى مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِهَا كَأَنَّهُ قَالَ: لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا إلَّا الْإِذْخِرَ.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَإِنَّ «رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ لَمْ يَغْزُهُمْ» وَيُجَابُ بِأَنَّ كَوْنَهُ لَمْ يَغْزُهُمْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُكَفِّرْ وَلَمْ يَحْنَثْ، وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَيَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا أَتَى الَّتِي هِيَ خَيْرٌ وَكَفَّرَ عَنْهَا. فَحِينَ رَأَى أَنَّ عَدَمَ غَزْوِهِمْ خَيْرٌ لَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute