(وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ طَلَاقًا بَائِنًا فَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْهُ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: لَا تَرِثُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ بَطَلَتْ بِهَذَا الْعَارِضِ وَهِيَ السَّبَبُ
فَهْمِهِ مِنْ قَوْلنَا مَعْنًى يَزُولُ بِحُلُولِهِ فِي بَدَنِ الْحَيِّ اعْتِدَالُ الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ، بَلْ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى التَّعْرِيفِ بِالْأَخْفَى (قَوْلُهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ صَحَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ مَرَضِ الْمَوْتِ فَلَا تَرِثُهُ، وَقَيَّدَ بِالْبَائِنِ لِأَنَّ فِي الرَّجْعِيِّ يَرِثُهُ وَتَرِثُهُ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ طَلَّقَ فِي الصِّحَّةِ لِقِيَامِ النِّكَاحِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ فِي طَلَاقٍ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ يَتَوَارَثَانِ فِي الْعِدَّةِ.
وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي الصِّحَّةِ فِي كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةً ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَرِثُهُ الْآخَرُ، وَبِالْعِدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تَرِثُهُ إذَا مَاتَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي قَوْلِهِ تَرِثُ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِعَشْرَةِ أَزْوَاجٍ.
وَلِابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي قَوْلِهِ تَرِثُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَيُعْرَفُ مِنْ تَقْيِيدِ الْإِرْثِ بِالْعِدَّةِ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي مَرَضٍ مَاتَ فِيهِ لَا تَرِثُ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ الطَّلَاقِ، وَقَيَّدَ بِغَيْرِ الرِّضَا، لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا بِرِضَاهَا لَا تَرِثُ، وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ كَوْنِهِمَا مِمَّنْ يَتَوَارَثَانِ حَالَ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ إذَا مَرِضَ هُوَ إذْ ذَاكَ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا وَقْتَ الطَّلَاقِ لَا تَرِثُ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ عِتْقٍ لَا تَرِثُ.
أَمَّا لَوْ قَالَ فِي مَرَضِهِ إذَا أَسْلَمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنًا تَرِثُهُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ بِزَمَانِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا دَامَ بِهِ الْمَرَضُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَرِثُ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَرِثُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُبَانَةَ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرِ مِنْ سَنَتَيْنِ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ عِنْدَهُ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ حَادِثٌ فِي الْعِدَّةِ مِنْ زِنًا فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَيَتَيَقَّنُ بِوَضْعِهِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ فَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَتَرِثُ.
وَعِنْدَهُمَا لَا يُحْمَلُ عَلَى الزِّنَا وَإِنْ قَالَتْهُ، بَلْ عَلَى أَنَّهُ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ عِدَّةِ الْأَوَّلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا تَرِثُ، وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ (قَوْلُهُ وَهِيَ السَّبَبُ) أَيْ الزَّوْجِيَّةُ هِيَ السَّبَبُ فِي الْإِرْثِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ بِالْبَيْنُونَةِ، وَكَذَا لَا يَرِثُهَا إذَا مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ، فَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ بَاقِيَةً لَاقْتَضَتْ التَّوَارُثَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَبِمَذْهَبِنَا قَالَ عُمَرُ وَابْنُهُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالْمُغِيرَةُ، وَنَقَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ عَنْ عَلِيٍّ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعَائِشَةَ وَزَيْدِ ابْنِ ثَابِتٍ، وَلَمْ يُعْلَمْ عَنْ صَحَابِيٍّ خِلَافُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ سِيرِينَ وَعُرْوَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute