للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ التُّهْمَةَ قَائِمَةٌ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَخْتَارُ الطَّلَاقَ لِيَنْفَتِحَ بَابُ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ عَلَيْهَا فَيَزِيدَ حَقُّهَا، وَالزَّوْجَانِ قَدْ يَتَوَاضَعَانِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْفُرْقَةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِيَبَرَّهَا الزَّوْجُ بِمَالِهِ زِيَادَةً عَلَى مِيرَاثِهَا وَهَذِهِ التُّهْمَةُ فِي الزِّيَادَةِ فَرَدَدْنَاهَا، وَلَا تُهْمَةَ فِي قَدْرِ الْمِيرَاثِ فَصَحَّحْنَاهُ، وَلَا مُوَاضَعَةَ عَادَةً فِي حَقِّ الزَّكَاةِ وَالتَّزَوُّجِ وَالشَّهَادَةِ، فَلَا تُهْمَةَ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ

قَالَ :

إلَى قَوْلِهِ: فَلَا تُهْمَةَ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ) هَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ: مَا إذَا تَصَادَقَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَلَى طَلَاقِهَا وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ الْمَرَضِ، وَمَا إذَا أَنْشَأَ طَلَاقَهَا ثَلَاثًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِسُؤَالِهَا ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِمَالٍ أَوْ أَوْصَى لَهَا بِوَصِيَّةٍ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمِيرَاثِ وَمِنْ كُلٍّ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَالْمُقِرِّ بِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ.

وَقَالَ زُفَرُ: لَهَا تَمَامُ الْمُوصَى بِهِ وَالْمُقِرِّ بِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَقَالَا فِي الْأَوَّلِ كَقَوْلِ زُفَرَ، وَفِي الثَّانِي كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.

لِزُفَرَ إنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ الْإِرْثُ وَقَدْ بَطَلَ بِتَصَادُقِهِمَا عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ الْمَوْتِ فِي الْأُولَى وَسُؤَالِهَا فِي الثَّانِيَةِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُ مُوجِبِهِمَا.

قُلْنَا: ذَلِكَ لَوْ لَمْ تَكُنْ تُهْمَةً لَكِنَّهَا ثَابِتَةٌ، غَيْرَ أَنَّهُمَا قَالَا: إنَّمَا هِيَ ثَابِتَةٌ فِي الثَّانِيَةِ لَا الْأُولَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ ثُبُوتَ التُّهْمَةِ بِهِ بَاطِنٌ فَأُدِيرَ عَلَى مَظِنَّتِهَا وَذَلِكَ قِيَامُ الْعِدَّةِ وَهُوَ فِي الثَّانِيَةِ لَا الْأُولَى فَوَجَبَ تَفْصِيلُنَا بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَدَارَ التُّهْمَةِ قِيَامُ الْعِدَّةِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ أَنَّ مَا يَنْتَفِي بِالتُّهْمَةِ مِنْ جَوَازِ الشَّهَادَةِ ثَابِتٌ فِي الْأُولَى حَتَّى جَازَتْ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ فَعُلِمَ انْتِفَاءُ التُّهْمَةِ شَرْعًا وَأَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً، وَعَنْ هَذَا جَازَ وَضْعُ الزَّكَاةِ فِيهَا وَأَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ مِنْ وَقْتِ التَّصَادُقِ.

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ قَصْرَ سَبَبِ التُّهْمَةِ عَلَى الْعِدَّةِ مَمْنُوعٌ بَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ أَيْضًا نَظَرًا إلَى تَقَدُّمِ النِّكَاحِ الْمُفِيدِ لِلْأُلْفَةِ وَالشَّفَقَةِ وَإِرَادَةِ إيصَالِ الْخَيْرِ، وَلَمَّا لَمْ يَظْهَرَا مَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ إلَّا فِي مَرَضِهِ كَانَا مُتَّهَمَيْنِ بِالْمُوَاضَعَةِ لِيَنْفَتِحَ بَابُ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ، وَهَذِهِ التُّهْمَةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ لَا فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ إذْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالتَّوَاضُعِ لِلتَّزَوُّجِ بِأُخْتِهَا أَوْ هِيَ بِغَيْرِهِ أَوْ لِدَفْعِ الزَّكَاةِ أَوْ لِلشَّهَادَةِ فَلِذَا صَدَقَا فِيهَا لَا فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ، وَهَذِهِ التُّهْمَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الزَّائِدِ فَيَنْتَفِي، ثُمَّ مَا تَأْخُذُهُ إنَّمَا يَلْزَمُ فِي حَقِّهِمْ بِطَرِيقِ الْمِيرَاثِ لَا الدَّيْنِ.

وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ تَوَى شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَالتَّوَى عَلَى الْكُلِّ، وَلَوْ كَانَ مَا تَأْخُذُهُ بِطَرِيقِ الدَّيْنِ لَكَانَ عَلَى الْوَرَثَةِ مَا دَامَ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ، وَلَوْ طَلَبَتْ أَنْ تَأْخُذَ دَنَانِيرَ وَالتَّرِكَةُ عُرُوضٌ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ دَيْنًا لَكَانَ لَهَا ذَلِكَ، وَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ عَيْنِ التَّرِكَةِ لَيْسَ عَلَى الْوَرَثَةِ ذَلِكَ بَلْ لَهُمْ أَنْ يُعْطُوهَا مِنْ مَالٍ آخَرَ وَتُعَامَلُ فِيهِ بِزَعْمِهَا أَنْ مَا تَأْخُذُهُ دَيْنٌ، وَلَوْ أَقَرَّ بِفَسَادِ نِكَاحِهَا أَوْ خُلْعِهَا أَجْنَبِيٌّ فِي مَرَضِهِ تَرِثُ.

وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ: وَكَذَا لَوْ قَالَ كُنْت جَامَعْت أُمَّك أَوْ تَزَوَّجْتُك بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا يُدَارُ عَلَى النِّكَاحِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ.

وَالْقَرَابَةُ: أَيْ قَرَابَةُ الْوِلَادِ فَلَا تُقْبَلُ مِنْ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ لِأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَلَا الْأَبِ وَالْجَدِّ لِابْنِهِ وَابْنِ ابْنِهِ.

وَفِي الْغَايَةِ: يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ إنْ كَانَ جَرَى بَيْنَهُمَا خُصُومَةٌ وَتَرَكَتْ خِدْمَتُهُ فِي مَرَضِهِ فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُوَاضَعَةِ وَالْإِحْسَانِ إلَيْهَا فَحِينَئِذٍ لَا تُهْمَةَ فِي الْإِقْرَارِ لَهَا وَالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْمُطَايَبَةِ وَمُبَالَغَتِهَا فِي خَدَمَتْهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إقْرَارُهُ وَوَصِيَّتُهُ لِلتُّهْمَةِ، وَقَاسَهُ عَلَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ فِيمَا إذَا قَالَتْ لَك امْرَأَةٌ غَيْرِي أَوْ تَزَوَّجْت عَلِيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ فَإِنَّهُ قَالَ: قِيلَ الْأَوْلَى يُحَكَّمُ الْحَالُ

<<  <  ج: ص:  >  >>