فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ حَتَّى يُحِلَّ الْوَطْءَ فَكَانَ السَّبَبُ قَائِمًا. قَالَ (وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا تَرِثُ إنَّمَا تَرِثُ إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ) وَقَدْ بَيِّنَاهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَيُلْحَقُ بِالْأُمِّ لِأَنَّهُ قَذَفَ مَنْكُوحَتَهُ، وَإِنْ قَالَ عَنَيْت الَّتِي وَلَدَتْ يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُرَادُهُ وَقْتَ الْإِيقَاعِ الَّتِي وَلَدَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً فَيَجِبُ الْحَدُّ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ لِعَدَمِ اللِّعَانِ.
فَإِنْ قَالَ لَمْ أَعْنِ عِنْدَ الْإِيقَاعِ أَحَدًا وَلَكِنْ أُرِيدُ بِالْمُبْهَمِ الَّتِي وَلَدَتْ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ قَذَفَ مَنْكُوحَتَهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ وَقْتَ التَّعْيِينِ وَلَا يُلَاعِنُ أَيْضًا لِأَنَّ شَرْطَهُ قِيَامُ النِّكَاحِ وَقَدْ زَالَ بِالْبَيَانِ وَالنَّسَبُ ثَابِتٌ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرِ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْإِيقَاعِ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ لِتَيَقُّنِنَا بِالْوَطْءِ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَحُكْمُ الشَّرْعِ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ حُكْمٌ يَكُونُ الْوَطْءُ مِنْهُ ضَرُورَةً، وَالْوَطْءُ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ بَيَانٌ إجْمَاعًا وَتَعَيَّنَتْ الَّتِي وَلَدَتْ لِلنِّكَاحِ، فَإِنْ نَفَى الْوَلَدَ لَاعَنَ وَلَا يَنْقَطِعُ النَّسَبُ عَنْهُ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ بِالْعَلُوقِ مِنْهُ مَانِعٌ مِنْ قَطْعِ النَّسَبِ عَنْهُ، فَإِنْ وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا لِأَقَلِّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْإِيقَاعِ وَالْأُخْرَى وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ تَعَيَّنَتْ صَاحِبَةُ الْأَقَلِّ لِلطَّلَاقِ لِأَنَّ وَطْأَهَا لَا يَصْلُحُ بَيَانًا وَوَطْءُ صَاحِبَةِ الْأَكْثَرِ يَصْلُحُ بَيَانًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلُودَ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ حَصَلَ بِعَلُوقٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ بِيَقِينٍ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، أَمَّا عَلُوقُ الْأُخْرَى فَمَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يَكُونُ بَيَانًا، وَعِدَّةُ صَاحِبَةِ الْأَقَلِّ تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ إنْ كَانَ بَيْنَ وِلَادَتِهَا وَبَيْنَ وِلَادَةِ صَاحِبَةِ الْأَكْثَرِ بَعْدَهَا أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِتَيَقُّنِنَا أَنَّ عَلُوقَ صَاحِبَةِ الْأَكْثَرِ وَوَطْأَهَا كَانَ قَبْلَ وِلَادَةِ صَاحِبَةِ الْأَقَلِّ وَقَبْلَ الْوِلَادَةِ هِيَ حَامِلٌ وَعِدَّةُ الْحَامِلِ تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَعِدَّةُ صَاحِبَةِ الْأَقَلِّ بِالْحَيْضِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ وَطْءَ صَاحِبَةِ الْأَكْثَرِ كَانَ بَعْدَ وِلَادَةِ صَاحِبَةِ الْأَقَلِّ، وَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِالْحَيْضِ احْتِيَاطًا، وَإِنْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِوَطْءِ صَاحِبَةِ الْأَقَلِّ أَوَّلًا طَلُقَتْ صَاحِبَةُ الْأَكْثَرِ بِإِقْرَارِهِ.
وَلَا يَصْدُقُ فِي صَرْفِ الطَّلَاقِ عَنْ صَاحِبَةِ الْأَقَلِّ فَطَلُقَتَا، كَمَنْ قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ فَقَالَ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى بِهَذَا الِاسْمِ وَعَنَيْتهَا طَلُقَتَا، وَإِنْ وَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْإِيقَاعِ وَبَيْنَ الْوِلَادَتَيْنِ يَوْمٌ أَوْ أَكْثَرُ فَوِلَادَةُ الْأُولَى تَكُونُ بَيَانًا لِلطَّلَاقِ فِي الْأُخْرَى، فَإِذَا وَلَدَتْ الْأُخْرَى بَعْدَهُ لَا يَتَحَوَّلُ الطَّلَاقُ الْوَاقِعُ عَلَيْهَا إلَى غَيْرِهَا، وَصَارَ كَمَا إذَا وَطِئَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ الْأُخْرَى يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ آخِرًا كَذَا هُنَا، وَثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدَيْنِ.
أَمَّا وَلَدُ الْأُولَى فَظَاهِرٌ، وَكَذَا وَلَدُ الثَّانِيَةِ لِاحْتِمَالِ وَطْئِهَا قَبْلَ عَلُوقِ الْأُولَى، وَتَنْقَضِي عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ.
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ وَلَدًا آخَرَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ الثَّانِي مِنْهُ أَيْضًا وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِعَلُوقِ الْوَلَدِ الثَّانِي حَالَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَحَالَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةٌ، وَهَذَا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَطِئَهَا قَبْلَ وِلَادَةِ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى رَحِمِهَا لِانْسِدَادِ فَمِهِ، فَإِذَا وَضَعَتْ الْحَمْلَ انْفَتَحَ فَمُ الرَّحِمِ وَوَصَلَ الْمَاءُ إلَيْهِ فَعَلَقَ الْوَلَدُ الثَّانِي قَبْلَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ، لِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَ حَالُ نُزُولِ الثَّلَاثِ وَالشَّيْءُ فِي نُزُولِهِ غَيْرُ نَازِلٍ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ احْتِيَاطًا فَيَتَعَلَّقُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَلَا يَجِبُ الْعُقْرُ لِأَنَّا جَعَلْنَاهُ مُعَلَّقًا حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ الْكَافِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute